تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٧٧
وما أشبه ذلك.
(قلت): أوجبه أن المعنى وأي * (أجل مسمى * عنده) * تعظيما لشأن الساعة فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم؛ انتهى. وهذا لا يجوز لأنه إذا كان التقدير وأي * (أجل مسمى * عنده) * كانت أي صفة لموصوف محذوف تقديره وأجل أي * (أجل مسمى * عنده) * ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أيا ولا حذف موصوفها وإبقاؤها، فلو قلت مررت بأي رجل تريد برجل أي رجل لم يجز، * (* وتمترون) * معناه تشكون أو تجادلون جدال الشاكين، والتماري المجادلة على مذهب الشك قاله بعض المفسرين. والكلام في * (تتقون ثم) * هنا كالكلام فيها في قوله * (ثم الذين كفروا) * والذي يظهر لي أن قوله تعالى: * (هو الذى خلقكم) * على جهة الخطاب، هو التفات من الغائب الذي هو قوله * (ثم الذين كفروا) * وإن كان الخلق وقضاء الأجل ليس مختصا بالكفار إذ اشترك فيه المؤمن والكافر، لكنه قصد به الكافر تنبيها له على أصل خلقه وقضاء الله تعالى عليه وقدرته، وإنما قلت إنه من باب الالتفات لأن قوله * (ثم أنتم تمترون) * لا يمكن أن يندرج في هذا الخطاب من اصطفاه الله بالنبوة والإيمان.
* (وهو الله فى * السماوات * وفى الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) * لما تقدم ما يدل على القدرة التامة والاختيار، ذكر ما يدل على العلم التام فكان في التنبيه على هذه الأوصاف دلالة على كونه تعالى قادرا مختارا عالما بالكليات والجزئيات وإبطالا لشبه منكر المعاد، والظاهر أن * (هو) * ضمير عائد على ما عادت عليه الضمائر قبله، * (وهو الله) * وهذا قول الجمهور قاله الكرماني. وقال أبو علي: * (هو) * ضمير الشأن * (والله) * مبتدأ خبره ما بعده، والجملة مفسرة لضمير الشأن وإنما فر إلى هذا لأنه إذا لم يكن ضمير الشأن، كان عائدا على الله تعالى فيصير التقدير الله * (والله) * فينعقد مبتدأ وخبر من اسمين متحدين لفظا ومعنى لا نسبة بينهما إسنادية، وذلك لا يجوز فلذلك والله أعلم تأول. أبو علي الآية على أن الضمير ضمير الأمر * (والله) * خبره يعلم في * (السماوات * وفى الارض) * متعلق بيعلم والتقدير الله يعلم * (في السماوات * وفى الارض) * * (سركم وجهركم) * ذهب الزجاج إلى أن قوله: * (في السماوات) * متعلق بما تضمنه اسم الله من المعاني، كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب. قال ابن عطية: وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه، ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله * (وهو الله) * أي الذي له هذه كلها * (في السماوات * وفى الارض) * كأنه قال: وهو الخالق الرازق والمحيي المحيط في السماوات وفي الأرض كما تقول: زيد السلطان في الشام والعراق، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا وإذا كان مقصد قولك زيد السلطان الآمر الناهي الناقض المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق، فأقمت السلطان مقام هذه كلها كان فصيحا صحيحا فكذلك في الآية أقام لفظة * (الله) * مقام تلك الصفات المذكورة؛ انتهى. وما ذكره الزجاج وأوضحه ابن عطية صحيح من حيث المعنى، لكن صناعة النحو لا تساعد عليه لأنهما زعما أن * (في السماوات) * متعلق بلفظ * (الله) * لما تضمنه من المعاني ولا تعمل تلك المعاني جميعها في اللفظ، لأنه لو صرح بها جميعها لم تعمل فيه بل العمل من حيث اللفظ لواحد منها، وإن كان * (في السماوات) * متعلقا بها جميعها من حيث المعنى، بل الأولى أن يعمل في المحرور ما تضمنه لفظ * (الله) * من معنى الألوهية وإن كان لفظ * (الله) * علما لأن الظرف والمجرور قد يعمل فيهما العلم بما تضمنه من المعنى كما قال: أنا أبو المنهال بعض الأحيان. فبعض منصوب بما تضمنه أبو المنهال كأنه قال أنا المشهور بعض الأحيان.
وقال الزمخشري نحوا من هذا قال: * (في السماوات) * متعلق بمعنى اسم الله، كأنه قيل: وهو المعبود فيهما ومنه قوله * (وهو الذى فى السماء إلاه وفى الارض
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»