تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٨١
لكم) * فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه، ويكون الضمير العائد على * (ما) * محذوفا أي ما لم نمكنه لكم وهذا لا يجوز، لأن * (ما) * بمعنى الذي لا يكون نعتا للمعارف وإن كان مدلولها مدلول الذي، بل لفظ الذي هو الذي يكون نعتا للمعارف لو قلت ضربت الضرب ما ضرب زيد تريد الذي ضرب زيد لم يجز، فلو قلت: الضرب الذي ضربه زيد جاز وجوزوا أيضا أن يكون نكرة صفة لمصدر محذوف تقديره تمكينا لم نمكنه لكم، وهذا أيضا لا يجوز لأن * (ما) * النكرة الصفة لا يجوز حذف موصوفها، لو قلت: قمت ما أو ضربت ما وأنت تريد قمت قياما ما وضربت ضربا ما لم يجز، وهذان الوجهان أجازهما الحوفي وأجاز أبو البقاء أن يكون * (ما) * مفعولا به بتمكن على المعنى، لأن المعنى أعطيناهم ما لم نعطكم، وهذا الذي أجازه تضمين والتضمين لا ينقاس، وأجاز أيضا أن تكون * (ما) * مصدرية والزمان محذوف أي مد * (ما لم نمكن لكم) * ويعني مدة انتفاء التمكين لكم، وأجاز أيضا أن تكون نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها أي شيئا لم نمكنه لكم، وحذف العائد من الصفة على الموصوف وهذا أقرب إلى الصواب وتعدى مكن هنا للذوات بنفسه وبحرف الجر، والأكثر تعديته باللام * (مكنا ليوسف فى الارض) * * (إنما * مكنا له فى الارض) * أو لم نمكن لهم. وقال أبو عبيد * (مكناهم) * ومكنا لهم لغتان فصيحتان، كنصحته ونصحت له والإرسال والإنزال متقاربان في المعنى لأن اشتقاقه من رسل اللبن، وهو ما ينزل من الضرع متتابعا و * (السماء) * السماء المظلة قالوا: لأن المطر ينزل منها إلى السحاب، ويكون على حذف مضاف أي مطر * (السماء) * ويكون * (مدرارا) * حالا من ذلك المضاف المحذوف. وقيل: * (السماء) * المطر وفي الحديث: (في أثر سماء كانت من الليل)، وتقول العرب: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، يريدون المطر وقال الشاعر:
* إذا نزل السماء بأرض قوم * رغيناه وإن كانوا غضبانا * * (* ومدرارا) * على هذا حال من نفس * (فى السماء) *. وقيل: * (السماء) * هنا السحاب ويوصف بالمدرار، فمدرارا حال منه * (* ومدرارا) * يوصف به المذكر والمؤنث وهو للمبالغة في اتصال المطر ودوامة وقت الحاجة، لا إنها ترفع ليلا ونهارا فتفسد قاله ابن الأنباري. ولأن هذه الأوصاف إنما ذكرت لتعديد النعم عليهم ومقابلتها بالعصيان، * (مدرارا وجعلنا الانهار تجرى من تحتهم) * تقدم ذكر كيفية جريان الأنهار من التحت في أوائل البقرة. وقد أعرب من فسر * (الانهار) * هنا بالخيل كما قيل في قوله: * (وهاذه الانهار تجرى من تحتى) * وإذا كان الفرس سريع العدو واسع الخطو وصف بالبحر وبالنهر، والمعنى أنه تعالى مكنهم التمكين البالغ ووسع عليهم الرزق فذكر سببه وهو تتابع الأمطار على قدر حاجاتهم وإمساك الأرض ذلك الماء، حتى صارت الأنهار تجري من تحتهم فكثر الخصب فأذنبوا فأهلكوا بذنوبهم، والظاهر أن الذنوب هنا هي كفرهم وتكذيبهم برسل الله وآياته، والإهلاك هنا لا يراد به مجرد الإفناء والإماتة بل المراد الإهلاك الناشئ عن الذنوب والأخذ به كقوله تعالى: * (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من) *، لأن الإهلاك بمعنى الإماتة مشترك فيه الصالح والطالح، وفائدة ذكر إنشاء قرن * (ءاخرين) * بعدهم، إظهار القدرة التامة على إفناء ناس وإنشاء ناس فهو تعالى لا يتعاظمه أن يهلك * (قرنا) * ويخرب بلاده وينشىء مكانه آخر يعمر بلاده وفيه تعريض للمخاطبين، بإهلاكهم إذا عصوا كما أهلك من قبلهم ووصف قرنا * (باخرين) * وهو جمع حملا على معنى قرن، وكان الحمل على المعنى
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»