تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥١٧
لخروجهم مع المشركين، وقال الكرماني: وإن يريدوا يعني الأسرى خيانتك يعني نقض ما عهدوا معك فقد خانوا الله بالكفر والشكر قبل العهد، وقيل: قبل بدر فأمكن منهم أو فأمكنك منهم وهزمتهم وأسرتهم، وقال الزمخشري: خيانتك أي ينكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردة واستحباب دين آبائهم فقد خانوا الله من قبل في كفرهم ونقض ما أخذ على كل عاقل من مشاقه فأمكن منهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن أعادوا الخيانة، وقيل المراد بالخيانة منع ما ضمنوا من الفداء، وقال ابن عطية: إن أخلصوا فعل بهم كذا وإن أبطنوا خيانة ما رغبوا أن يؤتمنوا عليه من العهد فلا يسرهم ذلك ولا يسكنون إليه فإن الله بالمرصاد فهم الذين خانوه بكفرهم وتركهم النظر في آياته وهو قد بينها لهم وجعل لهم إدراكا يحصلونها به فصار ذلك كعهد متقرر فجعل جزاؤهم على خيانتهم إياه أن مكن منهم المؤمنين وجعلهم أسرى في أيديهم والله عليم بما يبطنونه من إخلاص أو خيانة حكيم فيما يجازيهم انتهى، وقيل الضمير في وإن يريدوا عائد على الذين قيل في حقهم: وإن جنحوا للسلم أي وإن يريدوا خيانتك في إظهار الصلح والجمهور على أن الضمير في وإن يريدوا عائد على الأسرى، وروي عن قتادة: إن هذه الآية في قصة عبد الله بن أبي سرح فإن كان قال ذلك على سبيل التمثيل فيمكن، وإن كان على سبيل أنها نزلت في ذلك فلا لأنه إنما بين أمره في فتح مكة وهذه نزلت عقيب بدر.
2 (* (إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولائك بعضهم أوليآء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) *)) 2 * (إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا) *. قسم الله المؤمنين إلى المهاجرين والأنصار والذين لم يهاجروا فبدأ بالمهاجرين لأنهم أصل الإسلام وأول من استجاب الله فهاجر قوم إلى المدينة وقوم إلى الحبشة وقوم إلى ابن ذي يزن ثم هاجروا إلى المدينة وكانوا قدوة لغيرهم في الإيمان وسبب تقوية الدين من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وثنى بالأنصار لأنهم ساووهم في الإيمان وفي الجهاد بالنفس والمال لكنه عادل الهجرة إلا بواء والنصر وانفرد المهاجرون بالسبق وذكر ثالثا من آمن ولم يهاجر ولم ينصر ففاتهم هاتان الفضيلتان وحرموا الولاية حتى يهاجروا ومعنى أولياء بعض في النصرة والتعاون والموازرة، كما جاء في غير آية نحو * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) *. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: ذلك في الميراث آخى الرسول صلى الله عليه وسلم) بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجري يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن له بالمدينة ولي مهاجري ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري. قال ابن زيد: واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بعد لما لم تكن هجرة فمعنى ما لكم من ولايتهم من شيء نفي الموالاة في التوارث وكان قوله: وأولوا الأرحام بعضهم أولى نسخا لذلك وعلى القول الأول يكون المعنى في نفي الولاية على أنها صفة للحال إذ لا يمكن ولايته ونصره لتباعد ما بين المهاجرين وبينهم وفي ذلك حض للأعراب على الهجرة، قيل ولا يجوز أن تكون الموالاة لأنه عطف عليه وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فوجب أن تكون الولاية المنفية غير النصرة انتهى. ولما نزل ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا قال الزبير هل نعينهم على أمر إن استعانوا بنا فنزل وإن استنصروكم ومعنى ميثاق عهد لأن نصركم إياهم نقض للعهد فلا تقاتلون لأن الميثاق مانع من ذلك وخص الاستنصار بالدين لأنه بالحمية والعصبية في غير الدين منهى عنه وعلى تقتضي الوجوب ولذلك قدره الزمخشري بقوله: فواجب عليكم أن تنصروهم. وقال زهير:
(٥١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 » »»