المعنى قول دريد بن الصمة الجشمي لابن الدغنة السلمي حين قال له أخذ سيفي وأرفع عن العظم وأخفض عن الدماغ فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال ومنه قول الشاعر:
* جعل السيف بين الجيد منه * وبين أسيل خديه عذارا * فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا انتهى. فإن كان قول عكرمة تفسير معنى فحسن ويكون مفعول فاضربوا محذوفا وإن كان أراد أن فوق هو المضروب فليس بجيد لأن فوق من الظروف التي لا يتصرف فيها لا تكون مبتدأة ولا مفعولا بها ولا مضافا إليها إنما يتصرف فيها بحرف جر كقوله من فوقهم ظلل هذا هو الصحيح في فوق وقد أجاز بعضهم أن يكون فوق في الآية مفعولا به وأجاز فيها التصرف قال: تقول فوقك رأسك بالرفع وفوقك قلنسوتك بالنصب ويظهر هذا القول من الزمخشري قال: فوق الأعناق أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل فكان إيقاع الضرب فيها جزا وتطييرا للرأس انتهى، والبنان تقدم الكلام فيها في المفردات، وقالت فرقة منهم الضحاك البنان هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء، وقالت فرقة البنان الأصابع من اليدين والرجلين. وقيل الأصابع وغيرها من الأعضاء والمختار أنها الأصابع. وقال عنترة العبسي:
* وكان فتى الهيجاء يحمي ذمارها * ويضرب عند الكرب كل بنان * وقال أيضا:
* وأن الموت طرح يدي إذا ما * وصلت بنانها بالهندواني * وضرب الكفار مشروع في كل موضع منهم وإنما قصد أبلغ المواضع وأثبت ما يكون المقاتل لأنه إذا عمد إلى الرأس أو الأطراف كانت ثابت الجأش متبصرا فيما يضع فيه آلة قتاله من سيف ورمح وغيرهما مما يقع به اللقاء إذ ضرب الرأس فيه أشغل شاغل عن القتال وكثيرا ما يؤدي إلى الموت وضرب البنان فيه تعطيل القتال من المضروب بخلاف سائر الأعضاء. قال الفراء: علمهم مواضع الضرب فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل فكأنه قال فاضربوا الأعالي إن تمكنتم من الضرب فيها فإن لم تقدروا فاضربوهم في أوساطهم فإن لم تقدروا فاضربوهم في أسافلهم فإن الضرب في الأعالي يسرع بهم إلى الموت والضرب في الأوساط يسرع بهم إلى عدم الامتناع والضرب في الأسافل يمنعم من الكر والفر فيحصل من ذلك إما إهلاكهم بالكلية وإما الاستيلاء عليهم انتهى، وفي قول الفراء هذا تحميل ألفاظ القرآن ما لا يحتمله، وقال الزمخشري والمعنى فاضربوا المقاتل والشوى لأن الضرب إما