* (سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب) * وأن كان إلقاء الرعب يطابق التثبيت على أي صورة كان التثبيت ولكنه أشبه بهذا إذ هي من جنس واحد وعلى هذا التأويل يجيء قوله سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب مخاطبة للملائكة ثم يجيء قوله فاضربوا فوق الأعناق لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر عن صورة الحال كما تقول إذا وصفت لمن تخاطبه لقبنا القوم وهزمناهم فاضرب بسيفك حيث شئت واقتل وخذ أسيرك، أي هذه كانت صفة الحال ويحتمل أن يكون سألقي إلى آخر الآية خبرا يخاطب به المؤمنين عما يفعله بالكفار في المستقبل كما فعله في الماضي ثم أمرهم بضرب الرقاب والبنان تشجيعا لهم وحضا على نصرة الدين، وقال الزمخشري والمعني أني معينكم على التثبت فثبتوهم فقوله سألقي فاضربوا يجوز أن يكون تفسيرا لقوله أني معكم فثبتوا ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم واجتماعهما غاية النصرة ويجوز أن يكون غير تفسير وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدون بالملائكة، وقيل كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول إني سمعت المشركين يقولون والله لئن حملوا علينا لننكشفن ويمشي بين الصفين فيقول أبشروا فإن الله ناصركم لأنكم تعبدونه وهؤلاء لا يعبدونه انتهى، ثم قال ويجوز أن يكون قوله سألقي إلى قوله كل بنان عقيب قوله فثبتوا الذين آمنوا تلقينا للملائكة وما يثبتونهم به كأنه قال قولوا لهم سألقي والضاربون على هذا هم المؤمنون انتهى، والذي يظهر أن ما بعد * (يوحى ربك إلى الملئكة) * هو من جملة الموحى به وأن الملائكة هم المخاطبون بتثبيت المؤمنين وبضرب فوق الأعناق وكل بنان، وقال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السواري عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف كان يأخذ الحصا ويرمي به الطست فيظن فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا، وقرأ ابن عامر والكسائي والأعرج الرعب بضم العين وفوق قال الأخفش: زائدة أي فاضربوا الأعناق وهو قول عطية والضحاك فيكون الأعناق هي المفعول باضربوا هذا ليس بجيد لأن فوق اسم ظرف والأسماء لا تزاد، وقال أبو عبيدة: فوق بمعنى على تقول ضربته فوق الرأس وعلى الرأس ويكون مفعول فاضربوا على هذا محذوفا أي فاضربوهم فوق الأعناق وهذا قول حسن لا بقاء فوق على معناها من الظرفية. وقال ابن قتيبة فوق بمعنى دون قال ابن عطية: وهذا خطأ بين وإنما دخل عليه اللبس من قوله بعوضة فما فوقها في القلة والصغر فأشبه المعنى دون انتهى. وعلى قولا بن قتيبة يكون المفعول محذوفا أي فاضربوهم، وقال عكرمة: فوق على بابها وأراد الرؤوس إذ هي فوق الأعناق، قال الزمخشري: يعني ضرب الهام. قال الشاعر:
واضرب هامة البطل المشيح وقال آخر:
* غشيته وهو في جأواء باسلة * عضبا أصاب سوء الرأس فانفلقا * انتهى. وقال ابن عطية: وهذا التأويل أنبلها ويحتمل عندي أن يريد بقوله فوق الأعناق بوصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس في المفصل، وينظر إلى هذا