تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٧٠
خاصا به وإن كانت نزلت بعده فلا يدخل يوم بدر فيه بل يكون ذلك استئناف حكم في الاستقبال. قال ابن عطية والجمهور على أنه إشارة إلى يوم اللقاء الذي تضمنه قوله إذا لقيتم وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بسبب الضعف الذي بينه الله في آية أخرى وليس في الآية نسخ وأما يوم أحد فإنما فر الناس من مراكزهم من ضعفهم ومع ذلك عنفو لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيهم وفرارهم عنه، وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف أمام الكرة ويحتمل أن عفو الله عن من فر يوم أحد كان عفوا عن كثرة انتهى، وقرأ الحسن دبره بسكون الباء وانتصب متحرفا ومتحيزا عن الحال من الضمير المستكن في قولهم العائد على من. قال الزمخشري: وإلا لغو أو عن الاستثناء من المولين أي ومن يولهم إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا انتهى، وقال ابن عطية: وأما الاستثناء فهو من المولين الذين يتضمنهم من انتهى ولا يريد الزمخشري بقوله ولا لغو إنها زائدة إنما يريد أن العامل الذي هو يولهم وصل إلى العمل فيما بعدها كما قالوا في لا من قولهم جئت بلا زاد أنها لغو وفي الحقيقة هو استثناء من حالة محذوفة والتقدير: ومن يولهم ملتبسا بأية حالة إلا في حال كذا وإن لم يقدر حال غاية محذوفة لم يصح دخول إلا لأن الشرط عندهم واجب وحكم الواجب لا تدخل إلا فيه لا في المفعول ولا في غيره من الفضلات لأنه يكون استثناء مفرغا والاستثناء المفرغ لا يكون في الواجب لو قلت ضربت إلا زيدا وقمت إلا ضاحكا لم يصح والاستثناء المفرغ لا يكون إلا مع النفي أو النهي أو المؤول بهما فإن جاء ما ظاهره خلاف ذلك قدر عموم قبل إلا حتى يصح الاستثناء من ذلك العموم فلا يكون استثناء غير مفرغ، وقال قوم الاستثناء هو من أنواع التولي ورد بأنه لو كان ذلك لوجب أن يكون إلا تحرفا أو تحيزا والتحرف للقتال هو الكر بعد الفر يخيل عدوه أنه منهزم ثم ينعطف عليه وهو عين باب خدع الحرب ومكائدها قاله الزمخشري، وقال يراد به الذي يرى أن فعله ذلك أنكى للعدو وأعود عليه بالشر، والفئة هنا قال الجمهور هي الجماعة من الناس الحاضرة للحرب فاقتضى هذا الإطراق أن تكون هذه الفئة من الكفار أي لكونه يرى أنه ينكي فيها العدو ويبلي أكثر من إبلائه فيما قابله من الكفار إما لعدم مقاومته أو لكون غيره يعنى فيمن قاتله منهم فتحيز إلى فئة أخرى من الكفار ليبلى فيها واقتضى أيضا أن تكون هذه الفئة من المسلمين أي تحيز إليها لينصرها ويقويها إذا رأى فيها ضعفا وأغنى غيره في قتال من قاتله من الكفار وبهذا فسر الزمخشري قال إلى فئة جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها، وقيل الفئة هنا المدينة والإمام وجماعة المسلمين أينما كانوا، وروي هذا عن عمر: انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف، فقال عمر رضي الله عنه عنه: أنا فئتك. وعن ابن عمر رضي الله عنه: خرجت سرية وأنا فيهم ففروا فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا فدخلوا البيوت فقلت: يا رسول الله نحن الفرارون. فقال: بل أنتم العكارون وأنا فئتكم. قال ثعلب العكارون العطافون، وقال غيره: يقال للرجل الذي يولي عن الحرب لم يكن راجعا عكر واعتكر، وعن ابن عباس رضي الله عهما: الفرار من الزحف من أكبر الكبائر وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) اتقوا السبع
(٤٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»