2 (* (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذالك لتعلموا أن الله يعلم ما فى السماوات وما فى الا رض وأن الله بكل شىء عليم * اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم * ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله ياأولى الا لباب لعلكم تفلحون) *)) 2 * (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد) *.
مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وذلك أنه تعالى ذكر تعظيم الإحرام بالنهي عن قتل الوحش فيه بحيث شرع بقتله ما شرع وذكر تعظيم الكعبة بقوله هديا بالغ الكعبة، فذكر تعالى في هذه الآية أنه جعل الكعبة قياما للناس أي ركز في قلوبهم تعظيمها بحيث لا يقع فيها أذى أحد، وصارت وازعة لهم من الأذى وهم في الجاهلية الجهلاء لا يرجون جنة ولا يخافون نارا إذ لم يكن لهم ملك يمنعهم من أذى بعضهم فقامت لهم حرمة الكعبة مقام حرمة الملك هذا مع تنافسهم وتحاسدهم ومعاداتهم وأخذهم بالثأر، ولذلك جعل الثلاثة المذكورة بعد الكعبة قياما للناس فكانوا لا يهيجون أحدا في الشهر الحرام ولا من ساق الهدي لأنه لا يعلم أنه لم يجيء لحرب ولا من خرج يريد البيت بحج أو عمرة فتقلد من لحي الشجر ولا من قضى نسكه فتقلد من شجر الحرم، ولما بعثت قريش زمن الحديبية إلى المؤمنين الحلس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (هذا رجل يعظم الحرمة فألقوه بالبدن مشعرة) فلما رآها الحلس عظم عليه ذلك وقال ما ينبغي أن يصد هؤلاء ورجع عن رسالة قريش، وجعل هنا بمعنى صير. وقيل جعل بمعنى بين وينبغي أن يحمل هذا على تفسير المعنى إذ لم ينقل جعل مرادفة لهذا المعنى لكنه من حيث التصيير يلزم منه التبيين والحكم، ولما كان لفظ الكعبة قد أطلقه بعض العرب على غير البيت الحرام كالبيت الذي كان في خثعم يسمى كعبة اليمانية، بين تعالى أن المراد هنا بالكعبة البيت الحرام، وهو بدل من الكعبة أو عطف بيان، وقال الزمخشري: البيت الحرام عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح كما تجيء الصفة كذلك انتهى. وليس كما ذكر لأنهم ذكروا في شرط عطف البيان الجمود فإذا كان شرطه أن يكون جامدا. لم يكن فيه إشعار بمدح إذ ليس مشتقا وإنما يشعر بالمدح المشتق إلا أن يقال أنه لما وصف عطف البيان بقوله الحرام اقتضى المجموع المدح فيمكن ذلك والقيام مصدر كالصيام ويقال هذا قيام له وقوام له وكأنهم ذهبوا في قيام إلى أنه ليس مصدرا بل هو اسم كالسواك فلذلك صحت الواو قال: قوام دنيا وقيام دين. إذا لحقت تاء التأنيث لزمت التاء قالوا القيامة واختلفوا في تفسير قوله * (قياما للناس) * فقيل باتساع الرزق عليهم إذ جعلها تعالى مقصودة من جميع الآفاق وكانت مكة لا زرع ولا ضرع، وقيل بامتناع الإغارة في الحرم، وقيل بسبب صيرورتهم أهل الله فكل أحد يتقرب إليهم، وقيل بما يقام فيها من المناسك وفعل العبادات، وروي عن ابن عباس، وقيل: يأمن من توجه إليها وروي عنه، وقيل بعدم أذى من أخرجوه من جر جريرة ولجأ إليها، وقيل ببقاء الدين ما حجت واستقبلت، وقال عطاء لو تركوه عاما واحدا لم ينظروا ولم يؤخروا. وقال أبو عبد الله الرازي لا يبعد حمله على جميع الوجوه، لأن قوام المعيشة بكثرة المنافع وبدفع المضار وبحصول الجاه والرئاسة وبحصول الدين والكعبة سبب لحصول هذه الأقسام انتهى.
وقرأ ابن عامر قيما بغير ألف فإن كان أصله قياما