تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٧١
الجبال والشجر والبحار، وقيل: عبادة الملائكة وعصيان بني آدم، وقرأ أبو السمال: ملكوت بسكون اللام وهي لغة بمعنى الملك، وقرأ عكرمة ملكوت بالثاء المثلثة وقال: ملكوثا باليونانية أو القبطية، وقال النخعي: هي ملكوثا بالعبرانية وقرئ وكذلك ترى، بالتاء من فوق، * (إبراهيم ملكوت) *، برفع التاء، أي تبصره دلائل الربوبية.
* (وليكون من الموقنين) * أي أريناه الملكوت، وقيل: ثم علة محذوفة عطفت هذه عليها وقدرت ليقيم الحجة على قومه، وقال قوم: ليستدل بها على الصانع، وقيل:
الواو زائدة ومتعلق الموقنين قيل: بوحدانية الله وقدرته، وقيل: بنبوته وبرسالته. وقيل: عيانا كما أيقن بيانا انتقل من علم اليقين إلى عين اليقين كما سأل في قوله: * (وإذ قال إبراهيم رب) * والإتقان تقدم تفسيره أول البقرة، وقال أبو عبد الله الرازي: اليقين عبارة عن علم يحصل بعد زوال الشبهة بسبب التأمل ولهذا لا يوصف علم الله بكونه يقينا لأن علمه غير مسبوق بالشبهة وغير مستفاد من الفكر والتأمل، وإذا كثرت الدلائل وتوافقت وتطابقت صارت سببا لحصول اليقين إذ يحصل بكل واحد منها نوع تأثير وقوة فتتزايد حتى يجزم.
* (فلما جن عليه اليل رأى كوكبا قال هاذا ربى) *.
هذه الجملة معطوفة على قوله: * (وإذ قال إبراهيم) * على قول من جعل * (وكذلك نرى) * اعتراضا وهو قول الزمخشري. قال ابن عطية: الفاء في قوله * (فلما) * رابطة جملة ما بعدها بما قبلهاوهي ترجح أن المراد بالملكوت هو هذا التفصيل الذي في هذه الآية، وقال الزمخشري: كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها لقيام دليل الحدوث فيها وأن وراءها محدثا أحدثها وصانعا صنعها ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها والكواكب الزهرة، قاله ابن عباس وقتادة، أو المشتري، قاله مجاهد والسدي وهو رباعي والواو فيه أصل وتكررت فيه الفاء فوزنه فعفل نحو قوقل وهو تركيب قليل، والظاهر أن جواب * (لما * رأى كوكبا) * وعلى هذا جوزوا في * (قال هاذا ربى) * أن يكون نعتا للكوكب وهو مشكل أو مستأنفا وهو الظاهر ويجوز أن يكون الجواب * (قال هاذا ربى) * و * (رأى كوكبا) * حال أي جن عليه الليل رائيا كوكبا وهذا ربي الظاهر أنها جملة خبرية، وقيل هي استفهامية على جهة الإنكار حذف منها الهمزة كقوله:
بسبع رمين الجمر أم بثمان قال ابن الأنباري: وهذا شاذ لأنه لا يجوز أن يحذف الحرف إلا إذا كان ثم فارق بين الأخبار والاستخبار وإذا كانت خبرية فيستحيل عليه أن يكون هذا الإخبار على سبيل الاعتقاد والتصميم لعصمة الأنبياء من المعاصي، فضلا عن الشرك بالله، وما روي عن ابن عباس أن ذلك وقع له في حال صباه وقبل بلوغه وأنه عبده حتى غاب وعبد القمر حتى غاب وعبد الشمس حتى غابت فلعله لا يصح، وما حكي عن قوم أن ذلك بعد البلوغ والتكليف ليس بشيء وما حكوا من أن أمه أخفته في غار وقت ولادته خوفا من نمروذ أنه أخبره المنجمون أنه يولد ولد في سنة كذا
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»