تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٥
شنيعا وهولا عظيما وحذف جواب * (لو) * لدلالة الكلام عليه جائز فصيح ومنه * (ولو أن قرانا سيرت به الجبال) * الآية. وقول الشاعر:
* وجدك لو شيء أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا * أي لو شيء أتانا رسوله سواك لدفعناه و * (نرى) * مضارع معناه الماضي أي: ولو رأيت فإذ باقية على كونها ظرفا ماضيا معمولا لترى وأبرز هذا في صورة المضي وإن كان لم يقع بعد إجراء للمحقق المنتظر مجرى الواقع الماضي، والظاهر أن الرؤية هنا بصرية وجوزوا أن تكون من رؤية القلب والمعنى ولو صرفت فكرك الصحيح إلى تدبر حالهم لازددت يقينا أنهم يكونون يوم القيامة على أسوإ حال، فيجتمع للمخاطب في هذه الحالة الخبر الصدق الصريح والنظر الصحيح وهما مدركان من مدارك العلم اليقين والمخاطب ب * (يرى) * الرسول أو السامع، ومعمول * (ترى) * محذوف تقديره * (ولو ترى) * حالهم * (إذ) * وقفوا. وقيل: * (ترى) * باقية على الاستقبال و * (إذ) * معناه إذا فهو ظرف مستقبل فتكون * (لو) * هنا استعملت استعمال أن الشرطية، وألجأ من ذهب إلى هذا أن هذا الأمر لم يقع بعد. وقرأ الجمهور وقفوا مبنيا للمفعول ومعناه عند الجمهور حبسوا على النار. وقال ابن السائب: معناه أجلسوا عليها و * (على) * بمعنى في أو تكون على بابها ومعنى جلوسهم، أن جهنم طبقات فإذا كانوا في طبقة كانت النار تحتهم في الطبقة الأخرى. وقال مقاتل: عرضوا عليها ومن عرض على شيء فقد وقف عليه. وقيل: عاينوها ومن عاين شيئا وقف عليه. وقيل: عرفوا مقدار عذابها كقولهم: وقفت على ما عند فلان أي فهمته وتبينته واختاره الزجاج. وقيل: جعلوا وقفا عليها كالوقوف المؤبدة على سبلها ذكره الماوردي. وقيل: وقفوا بقربها وفي الحديث: (أن الناس يوقفون على متن جهنم). وقال الطبري: أدخلوها ووقف في هذه القراءة متعدية. وقرأ ابن السميقع وزيد بن علي * (وقفوا) * مبنيا للفاعل من وقف اللازمة ومصدر هذه الوقوف ومصدر تلك الوقف، وقد سمع في المتعدية أوقف وهي لغة قليلة ولم يحفظها أبو عمرو بن العلاء قال: لم سمع في شيء من كلام العرب أوقفت فلانا إلا أني لو لقيت رجلا واقفا فقلت له: ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسنا؛ انتهى. وإنما ذهب أبو عمرو إلى حسن هذا لأنه مقيس في كل فعل لازم أن يعدى بالهمزة، نحو ضحك زيد وأضحكته.
* (فقالوا ياليتنا ياليتنا نرد ولا نكذب بئايات ربنا ونكون من المؤمنين) * قرأ ابن عامر وحمزة وحفص * (ولا نكذب) * * (ونكون) * بالنصب فيهما وهذا النصب عند جمهور البصريين هو بإضمار أن بعد الواو فهو ينسبك من أن المضمرة، والفعل بعدها مصدر مرفوع معطوف على مصدر متوهم مقدر من الجملة السابقة والتقدير * (* يا ليتنا) * يكون لنا رد وانتفاء تكذيب وكون * (ربنا ونكون من المؤمنين) * وكثيرا ما يوجد في كتب النحو أن هذه الواو المنصوب بعدها هو على جواب التمني كما قال الزمخشري * (ولا نكذب * ونكون) * بالنصب بإضمار أن على جواب التمني ومعناه إن رددنا لم نكذب ونكن * (من المؤمنين) * انتهى، وليس كما ذكر فإن نصب الفعل بعد الواو ليس على جهة الجواب، لأن الواو لا تقع في جواب الشرط فلا ينعقد مما قبلها ولا مما بعدها شرط وجواب وإنما هي واو الجمع يعطف ما بعدها على المصدر المتوهم قبلها وهي واو العطف يتعين مع النصب أحد محاملها الثلاثة وهي المعية، ويميزها من الفاء، تقدير شرط قبلها أو حال مكانها وشبهة من
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»