ترى) * أولا وذلك مجاز عن الحبس والتوبيخ والسؤال كما توقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه وقد تعلق بعض المشبهة بهذه الآية، وقال: ظاهرها يدل على أن الله في حيز ومكان لأن أهل القيامة يقفون عنده وبالقرب منه، وذلك يدل على كونه بحيث يحضر في مكان تارة ويغيب عنه أخرى. قال أبو عبد الله الرازي: وهذا خطأ لأن ظاهر الآية يدل على كونهم واقفين على الله كما يقف أحدنا على الأرض، وذلك يدل على كونه مستعليا على ذات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وأنه باطل بالاتفاق فوجب المصير إلى التأويل، فيكون المراد إذا وقفوا على ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين وعلى ما أخبر به من أمر الآخرة، أو يكون المراد وقوف المعرفة؛ انتهى. وهذان التأويلان ذكرهما الزمخشري. وقال ابن عطية: على حكمه وأمره؛ انتهى. وقيل: على مسألة ربهم إياهم عن أعمالهم. وقيل: المسألة ملائكة ربهم. وقيل: على حساب ربهم قال: * (أليس هاذا بالحق) * الظاهر أن الفاعل بقال هو الله فيكون السؤال منه تعالى لهم. وقيل: السؤال من الملائكة، فكأنه عائد على من وقفهم على الله من الملائكة أي قال: من وقفهم من الملائكة. وقال الزمخشري قال: مردود على من قال قائل قال ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه؟ فقيل: * (أليس هاذا بالحق) * وهذا تغيير من الله لهم على التكذيب وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث والجزاء ما هو بحق وما هو إلا باطل؛ انتهى. ويحتمل عندي أن تكون الجملة حالية التقدير * (إذ وقفوا على ربهم) * قائلا لهم * (أليس هاذا بالحق) * والإشارة بهذا إلى البعث ومتعلقاته. وقال أبو الفرج بن الجوزي: أليس هذا العذاب بالحق وكأنه لاحظ قوله قال: * (فذوقوا العذاب) * قالوا: * (بلى وربنا) * تقدم الكلام على * (* يلي) * وأكدوا جوابهم باليمين في قولهم * (بالحق وربنا) * وهو إقرار بالإيمان حيث لا ينفع وناسب التوكيد بقولهم * (وربنا) * صدر الآية في * (وقفوا على ربهم) * وفي ذكر الرب تذكار لهم في أنه كان يربيهم ويصلح حالهم، إذا كان سيدهم وهم عبيده، لكنهم عصوه وخالفوا أمره.
* (قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * أي بكفركم بالعذاب والباء سببية فقيل متعلق الكفر البعث أي بكفركم بالبعث. وقيل: متعلقه العذاب أي بكفركم بالعذاب والذوق في العذاب استعارة بليغة والمعنى باشروه مباشرة الذاق إذ هي أشد المباشرات.
* (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها) * هذا استئناف إخبار من الله تعالى عن أحوال منكري لبعث وخسرانهم أنهم استعاضوا الكفر عن الإيمان فصار ذلك شبيها بحالة البائع الذي أخذ وأعطى وكان ما أخذ من الكفر سببا لهلاكه وما أعطاه من الإيمان سببا لنجاته، فأشبه الخاسر في صفقته العادم الربح ورأس ماله، ومعنى * (بلقاء الله) * بلوغ الآخرة وما يكون فيها من الجزاء ورجوعهم إلى أحكام الله فيها وحتى غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم، لأن الخسران لا غاية له والتكذيب مغيابا لحسرة لأنه لا يزال بهم التكذيب إلى قولهم * (* يا حسرتنا) * وقت مجيء الساعة، وتقدم الكلام على * (فهم يوزعون حتى إذا) * في قوله: * (حتى إذا جاءوك يجادلونك) * ومعنى * (بلقاء الله) * بلقاء جزائه والإضافة تفخيم وتعظيم لشأن الجزاء وهو نظير * (رجع موسى إلى قومه غضبان) *، أي لقي جزاءه ومن أثبت أن الله تعالى في جهة استدل بهذا، وقال: اللقاء حقيقة و * (الساعة) * يوم القيامة سمى ساعة لسرعة انقضاء الحساب فيها للجزاء لقوله: * (أسرع الحاسبين) *. قال ابن عطية: وأدخل عليها تعريف العهد دون تقدم ذكرك لشهرتها واستقرارها في النفوس وذياع ذكرها، وأيضا فقد تضمنها قوله * (بلقاء الله) * انتهى. ثم غلب استعمال * (الساعة) * على يوم القيامة فصارت الألف واللام فيها