فهو في الحقيقة الذي قهر الممكنات تارة في طرق ترجيح الوجود على العدم وتارة في طرق ترجيح العدم على الوجود، ويدخل فيه كل ما ذكره الله تعالى في قوله: * (قل اللهم مالك الملك) * الآية. والحكيم والمحكم أي أفعاله متقنة آمنة من وجوه الخلل والفساد لا بمعنى العالم، لأن * (الخبير) * إشارة إلى العلم فيلزم التكرار؛ انتهى، وفيه بعض اختصار وتلخيص. وقيل: * (الحكيم) * العالم و * (الخبير) * أيضا العالم ذكره تأكيدا و * (فوق) * منصوب على الظرف إما معمولا للقاهر أي المستعلي فوق عباده، وإما في موضع رفع على أنه خبر ثان لهو أخبر عنه بشيئين أحدهما: أنه القاهر الثاني أنه فوق عباده بالرتبة والمنزلة والشرف لا بالجهة، إذ هو الموجد لهم وللجهة غير المفتقر لشيء من مخلوقاته فالفوقية مستعارة للمعنى من فوقية المكان، وحكى المهدوي أنه في موضع نصب على الحال كأنه قال: وهو القاهر غالبا فوق عباده وقاله أبو البقاء، وقدره مستعليا أو غالبا وأجاز أن يكون فوق عباده في موضع رفع بدلا من القاهر. قال ابن عطية: ما معناه ورود العباد في التفخيم والكرامة والعبيد في التحقير والاستضعاف والذم، وذكر موارد من ذلك على زعمه وقد تقدم له هذا المعنى مبسوطا مطولا ورددنا عليه.
* (قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم) * قال المفسرون: سألت قريش شاهدا على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم) فقالوا: أي دليل يشهد بأن الله يشهد لك؟ فال: هذا القرآن تحديتكم به فعجزتم عن الإتيان بمثله أو بمثل بعضه، وقال الكلبي: قال رؤساء مكة: يا محمد ما نرى أحدا يصدقك فيما تقول في أمر الرسالة ولقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة، فأرنا من يشهد لك أنك رسول الله كما تزعم فأنزل الله هذه الآية. وقيل: سأل المشركون لما نزل * (وإن يمسسك الله بضر) * الآية فقالوا: من يشهد لك على أن هذا القرآن منزل من عند الله عليك وأنه لا ضر ولا ينفع إلا الله؟ فقال الله وهذا القرآن المعجز وأي استفهام والكلام على أقسام أي وعلة إعرابها مذكور في علم النحو وشئ تقدم الكلام عليه في أول سورة البقرة وذكر الخلاف في مدلوله الحقيقي.
وقال الزمخشري: الشيء أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيقع على القديم والجوهر والعرض والمحال والمستقيم، ولذلك صح أن يقال في الله عز وجل شيء لا كالأشياء كأنك قلت معلوم لا كسائر المعلومات ولا يصح جسم لا كالأجسام وأراد * (أى شىء أكبر شهادة) * فوضع شيئا مكان * (شهيد) * ليبالغ في التعميم؛ انتهى.
وقال ابن عطية: وتتضمن هذه الآية أن الله عز وجل يقال عليه شيء كما يقال عليه موجود ولكن ليس كمثله شيء، وقال غيرهما هنا شيء يقع على القديم والمحدث والجوهر والعرض والمعدوم والموجود ولما كان هذا مقتضاه، جاز إطلاقه على الله عز وجل واتفق الجمهور على ذلك وخالف الجهم وقال: لا يطلق على الله شيء ويجوز أن يسمى ذاتا وموجودا وإنما لم يطلق عليه شيء لقوله * (خالق كل شىء) * فيلزم من إطلاق شيء عليه أن يكون خالقا لنفسه وهو محال ولقوله: * (ولله الاسماء الحسنى) * والاسم إنما يحسن لحسن مسماه وهو أن يدل على صفة كمال ونعت جلال ولفظ الشيء أعم الأشياء فيكون حاصلا في أخس الأشياء وأرذلها، فلا يدل على صفة كمال ولا نعت جلال فوجب أن لا يجوز دعوة الله به لما لم يكن من الأسماء الحسنى، ولتناوله المعدوم لقوله * (ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذالك غدا) * فلا يفيد إطلاق شيء عليه امتياز ذاته على سائر الذوات بصفة معلومة ولا بخاصة مميزة، ولا يفيد كونه مطلقا فوجب أن لا يجوز إطلاقه على الله تعالى ولقوله تعالى: * (ليس كمثله شىء) *) * وذات كل شيء مثل نفسه نفسه فهذا تصريح بأنه تعالى لا يسمى باسم الشيء ولا يقال الكاف