تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٣
المبتدأ ألا ترى أنهم يقولون في نحو ضربت القوم حتى زيدا ضربته أن حتى فيه حرف ابتداء وإن كان ما بعدها منصوبا و * (حتى) * إذا وقعت بعدها * (إذا) * يحتمل أن تكون بمعنى الفاء ويحتمل أن تكون بمعنى إلى أن فيكون التقدير فإذا * (لكرهون يجادلونك) * يقول أو يكون التقدير * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفىءاذانهم وقرا) * أي منعناهم من فهم القرآن وتدبره؟ إلى أن يقولوا: * (إن هاذا إلا أساطير الاولين) * في وقت مجيئهم مجادليك لأن الغاية لا تؤخذ إلا من جواب الشرط لا من الشرط، وعلى هذين المعنيين يتخرج جميع ما جاء في القرآن من قوله تعالى * (حتى إذا) * وتركيب * (حتى إذا) * لا بد أن يتقدمه كلام ظاهر نحو هذه الآية ونحو قوله: فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال: أقتلت، أو كلام مقدر يدل عليه سياق الكلام، نحو قوله: * (زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين * الصادقين * قال انفخوا حتى إذا جعله نارا) * التقدير فأتوه بها ووضعها بين الصدقين * (حتى إذا) * ساوى بينهما قال: انفخوا فنفخه * (حتى إذا) * جعله نارا بأمره وإذنه قال آتوني أفرغ ولهذا قال الفراء * (حتى إذا) * لا بد أن يتقدمها كلام لفظا أو تقديرا، وقد ذكرنا في كتاب التكميل أحكام حتى مستوفاة ودخولها على الشرط، ومذهب الفراء والكسائي في ذلك ومذهب غيرهما. وقال الزمخشري: هنا هي * (حتى) * التي تقع بعدها الجمل والجملة قوله: * (إذا) * في موضع الحال؛ انتهى. وهذا موافق لما ذكرناه، ثم قال: ويجوز أن تكون الجارة ويكون * (إذا) * في محل الجر بمعنى حتى وقت مجيئهم و * (لكرهون يجادلونك) * حال وقوله: * (يقول الذين كفروا) * تفسير والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات، إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون: * (إن هاذا إلا أساطير الاولين) * فيجعلون كلام الله وأصدق الحديث خرافات وأكاذيب وهي الغاية في التكذيب؛ انتهى. وما جوزه الزمخشري في * (إذا) * بعد * (حتى) * من كونها مجرورة أوجبه ابن مالك في التسهيل، فزعم أن * (إذا) * تجز ب * (* بحتى) *. قال في التسهيل: وقد تفارقها، يعني * (قبلكم إذا) * الظرفية مفعولا بها ومجرورة ب * (* بحتى) * أو مبتدأ وما ذهب إليه الزمخشري في تجويزه أن تكون * (قبلكم إذا) * مجرورة ب * (* بحتى) *، وابن مالك في إيجاب ذلك ولم يذكر قولا غيره خطأ وقد بينا ذلك في كتاب التذييل في شرح التسهيل، وقد وفق الحوفي وأبو البقاء وغيرهما من المعربين للصواب في ذلك فقال هنا أبو البقاء * (يوزعون حتى إذا) * في موضع نصب لجوابها وهو * (يقول) * وليس لحتى هاهنا عمل وإنما أفادت معنى الغاية، كما لا تعمل في الجمل و * (يجادلونك) * حال من ضمير الفاعل في * (* جاؤوك) * وهو العامل في الحال، يقول جواب * (قبلكم إذا) * وهو العامل في إذا؛ انتهى.
* (وهم ينهون عنه وينأون عنه) * روي عن ابن عباس أنها نزلت في أبي طالب، كان ينهي المشركين أن يؤذوا الرسول وأتباعه وكانوا يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش بأبي طالب يريدون سوءا برسول الله صلى الله عليه وسلم).
فقال أبو طالب:
* والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا * * فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر وقر بذاك منك عيونا * * ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا * * وعرضت دينا لا محالة أنه * من خير أديان البرية دينا *
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»