يجوز عند البصريين، وتقدم الكلام على قراءة من قرأ يحزنك رباعيا وثلاثيا في آخر سورة آل عمران وتوجيه ذلك فاغني عن إعادته هنا والذي يقولون معناه مما ينافي ما أنت عليه. قال الحسن: كانوا يقولون إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون. وقيل: كانوا يصرحون بأنهم لا يؤمنون به ولا يقبلون دينه. وقيل: كانوا ينسبونه إلى الكذب والافتعال. وقيل: كان بعض كفار قريش يقول له: رئي من الجن يخبره بما يخبر به. وقرأ علي ونافع والكسائي بتخفيف * (يكذبونك) *. وقرأ باقي السبعة وابن عباس بالتشديد. فقيل: هما بمعنى واحد نحو كثر وأكثر. وقيل: بينهما فرق حكى الكسائي أن العرب تقول: كذبت الرجل إذ نسبت إليه الكذب وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دون أن تنسبه إليه وتقول العرب أيضا: أكذبت الرجل إذا وجدته كذابا كما تقول: أحمدت الرجل إذا وجدته محمودا فعلى القول بالفرق يكون معنى التخفيف لا يجدونك كاذبا أو لا ينسبون الكذب إليك، وعلى معنى التشديد يكون إما خبرا محضا عن عدم تكذيبهم إياه ويكون من نسبة ذلك إلى كلهم على سبيل المجاز والمراد به بعضهم لأنه معلوم قطعا أن بعضهم كان يكذبه، ويكذب ما جاء به وإما أن يكون نفي التكذيب لانتفاء ما يترتب عليه من المضار فكأنه قيل * (لا يكذبونك) * تكذيبا يضرك لأنك لست بكاذب فتكذيبهم كلا تكذيب. وقال في المنتخب: لا يراد بقوله: * (لا يكذبونك) * خصوصية تكذيبه هو، بل المعنى أنهم ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقا فالمعنى * (لا يكذبونك) * على التعيين بل يكذبون جميع الأننبياء والرسل. وقال قتادة والسدي: * (لا يكذبونك) * بحجة وإنما هو تكذيب عناد وبهت. وقال ناجية بن كعب: لا يقولون إنك كاذب لعلمهم بصدقك ولكن يكذبون ما جئت به. وقال ابن السائب ومقاتل: * (لا يكذبونك) * في السر، ولكن يكذبونك في العلانية عداوة. وقال: لا يقدرون على أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم كذبت ذكره الزجاج ورجح قراءة على بالتخفيف بعضهم، ولا ترجيح بين المتواترين. قال الزمخشري: والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله تعالى لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته فانته عن حزنك لنفسك وإنهم كذبوك وأنت صادق، وليشغلك عن ذلك ما هو أهم وهو استعظامك لجحود آيات الله والاستهانة بكتابه ونحوه قول السيد لغلامه إذا أهانه بعض الناس إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني وفي هذه الطريقة قوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * وعن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب في شيء ولكنهم كانوا يجحدون، فكان أبو جهل يقول: ما نكذبك وإنك عندنا لمصدق وإنما نكذب ما جئتنا به؛ انتهى. وفي الكلام حذف تقديره: فلا تحزن فإنهم لا يكذبونك، وأقيم الظاهر مقام المضمر تنبيها على أن علة الجحود هي الظلم وهي مجاوزة الحد في الاعتداء، أي ولكنهم بآيات الله يجحدون.
وآياته قال السدي: محمد صلى الله عليه وسلم). وقال ابن السائب: محمد والقرآن. وقال مقاتل: القرآن. وقال ابن عطية: آيات الله علاماته وشواهد نبيه صلى الله عليه وسلم) والجحود إنكار الشيء بعد معرفته وهو ضد الإقرار، فإن كانت نزلت في الكافرين مطلقا فيكون في الجحود تجوز إذ كلهم ليس كفره بعد معرفة ولكنهم لما أنكروا نبوته وراموا تكذيبه بالدعوى الباطلة عبر عن إنكارهم بأقبح وجوه الإنكار وهو الجحد تغليظا عليهم وتقبيحا لفعلهم، إذ معجزاته وآياته نيرة يلزم كل مفطور أن يقربها ويعلمها وإن كانت نزلت في المعاندين ترتب الجحود حقيقة وكفر العناد يدل عليه ظواهر القرآن وهو واقع أيضا كقصة أبي جهل مع الأخنس بن شريق وقصة أمية بن