تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٨
حجه واعتمره وطاف به وعكف عنده. وقال القفال: يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله: (يحيي إليه ثمرات كل شيء). وقيل: بركته دوام العبادة فيه ولزومها، لأن البركة لها معنيان: أحدهما: النمو، والآخر: الثبوت، ومنه البركة لثبوت الماء فيها. والبرك الصدر لثبوت الحفظ فيه، والبراكاء الثبوت في القتال، وتبارك الله ثبت ولم يزل. وقيل: بركته تضعيف الثواب فيه. روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع أخرى إلا كتب الله بها له حسنة ورفع له بها درجة). وقال الفراء: سمي مباركا لأنه مغفرة للذنوب. وقال ابن جرير: بركته تطهيره من الذنوب. وقيل: بركته أن من دخله أمن حتى الوحش، فيجتمع فيه الظبي والكلب. وأما كونه هدى فلأنه لما كان مقوما مصلحا كان فيه إرشاد. وبولغ بكونه هدى، أو هو على حذف مضاف أي: وذا هدى. قيل: ومعنى هدى أي قبلة. وقيل: رحمة. وقيل: صلاح. وقيل: بيان ودلالة على الله بما فيه من الآيات التي لا يقدر عليها غيره تعالى. وقال ابن عطية: يحتمل هنا هدى أن يكون بمعنى الدعاء، أي من حيث دعى العالمون إليه، وانتصاب مباركا على الحال. وجوزوا أن يكون حالا من الضمير الذي استكن في وضع، والعامل فيها وضع أي أن أول بيت مباركا، أي في هذه الحال للذي ببكة. وهذا التقدير ليس بجائز، لأنك فصلت بين العامل في الحال وبين الحال بأجنبي وهو: الخبر، لأنه معمول لأن خبر لها، فإن أضمرت وضع بعد الخبر أمكن أن يعمل في الحال، وكان تقديره: للذي ببكة وضع مباركا. وعلى هذا التقدير ينبغي أن يحمل تفسير علي بن أبي طالب السابق ذكره عند ذكر كون هذا البيت أولا، إذ كان قد لاحظ في هذا البيت كونه وضع أولا بقيد هذه الحال.
وجوزوا أيضا أن يكون العامل في الحال العامل في ببكة، أي استقر ببكة في حال بركته. وهو وجه ظاهر الجواز، ولم يذكر الزمخشري غيره. وأما هدى فظاهره أنه معطوف على مباركا، والمعطوف على الحال حال. وجوز بعضهم أن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو هدى، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار.
* (فيه ءايات بينات) * أي علامات واضحات منها: مقام إبراهيم، والحجر الذي قام عليه، والحجر الأسود وهو: من حجارة الكعبة، وهو يمين الله في الأرض يشهد لمن مسه. والحطيم، وزمزم، وأمن الخائف وهيبته وتعظيمه في قلوب الناس، وأمر الفيل، ورمى طير الله عنه بحجارة السجيل، وكف الجبابرة عنه على وجه الدهر، وإذعان نفوس العرب لتوفير هذه البقعة دون ناه ولا زاجر، وجباية الأرزاق إليه، وهو (بواد غير ذي زرع) وحمايته من السيول. ودلالة عموم المطر إياه من جميع جوانبه على خصب آفاق الأرض، فإن كان المطر من جانب أخصب الأفق الذي يليه. وذكر مكي وغيره: أن من آياته كون الطير لا يعلوم عليه. قال ابن عطية:
وهذا ضعيف، والطير يعاين يعلوه، وقد علته العقاب التي أخذت الحية المشرفة على جداره، وتلك كانت من آياته انتهى. وأي عبد علا عليه عتق. وتعجيل العقوبة لمن عتا فيه، وإجابة دعاء من دعا تحت الميزاب، ومضاعفة أجر المصلي، وغير ذلك من الآيات. وقوله: فيه آيات بينات، الضمير في فيه عائد على البيت، فينبغي أن لا يذكر من الآيات إلا ما كان في البيت. لكنهم توسعوا في الظرفية، إذ لا يمكن حملها على الحقيقة لأنه كان يلزم أن الآيات تكون داخل الجدران. ووجه التوسع أن البيت وضع بحرمه وجميع فضائله، فهي فيه على سبيل المجاز. ولذلك عد المفسرون آيات في الحرم وأشياء مما التزمت في شريعتنا من: تحريم قطع شجره
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»