الجمهور: هو الحجر المعروف. وقال قوم: البيت كله مقام إبراهيم، لأنه بناه، وقام في جميع أقطاره. وقال قوم: مكة كلها مقام إبراهيم. وقال قوم: الحرم كله. والحرم مما يلي المدينة نحوا من أربعة أميال إلى منتهى التنعيم، ومما يلي العراق نحوا من ثمانية أميال يقال له المقطع، ومما يلي عرفة تسعة أميال إلى منتهى الحديبية.
* (ومن دخله كان ءامنا) *: الضمير في (ومن دخله) عائد على البيت: إذ هو المحدث عنه، والمقيد بتلك القيود من البركة والهدى والآيات البينات من مقام إبراهيم وغيره. ولا يمكن أن يعود على مقام إبراهيم إذا فسرناه بالحجر. وظاهر الآية وسياق الكلام أن هذه الجملة هي مفسرة لبعض آيات البيت، ومذكرة للعرب بما كانوا عليه في الجاهلية من احترام هذا البيت، وأمن من دخله من ذوي الحرائم. وكانت العرب يغير بعضها على بعض ويتخطف الناس بالقتل، وأخذ الأموال، وأنواع الظلم، إلا في الحرم كقوله تعالى: * (أو لم * يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم) * وذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام * (رب اجعل هاذا بلدا آمنا) * فأما في الإسلام فمن أصاب حدا فإن الحرم لا يعيذه وإلى هذا ذهب: عطاء، ومجاهد، والحسن، وقتادة وغيره. فمن زنى، أو سرق، أو قتل، أقيم عليه الحد واستحسن كثير ممن قال هذا القول: أن يخرج من وجب عليه القتل إلى الحل فيقتل فيه. وقال ابن عباس: من أحدث حدثا واستجار بالبيت فهو آمن. والأمر في الإسلام على ما كان في الجاهلية، فلا يعرض أحد لقاتل وليه. إلا أنه يجب على المسلمين أن لا يبايعوه، ولا يكلموه، ولا يؤووه حتى يتبرم فيخرج من الحرم فيقام عليه الحد. وقال بمثل هذا عطاء أيضا، والشعبي، وعبيد بن عمير، والسدي، وابن جبير، وغيرهم إلا أن أكثرهم قالوا: هذا فيمن يقتل خارج الحرم ثم يعوذ بالحرم، أما من قتل فيه فيقام عليه الحد فيه. واختلف فقهاء الأمصار: إذا جنى في غير الحرم ثم التجأ إليه فقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، والحسن بن زياد، وأحمد في رواية حنبل عنه: إن كانت الجناية في النفس لم يقتص منه ولا يخالط، أو فيما دون النفس اقتص منه في الحرم. وقال مالك في رواية: لا يقتص منه فيه، لا بقتل ولا فيما دون النفس، ولا يخالط. قالوا: وانعقد الإجماع على أن من جنى فيه لا يؤمن، لأنه هتك حرمة الحرم ورد الأمان. فبقي حكم الآية فيمن جنى صار خارجا منه ثم التجأ إليه. وقالوا: هذا خبر معناه الأمر. أي ومن دخله فأمنوه. وهو عام فيمن جنى فيه أو في غيره ثم دخله، لكن صد الإجماع عن العمل به فيمن جنى فيه وبقي حكم الآية مختصا بمن جنى خارجا منه ثم دخله. وقال يحيى بن جعدة في آخرين: آمنا من النار، ولا بد من قيد في. ومن دخله كان آمنا: أي ومن دخله حاجا، أو من دخله مخلصا في دخوله. وقيل المعنى: ومن دخله عام عمرة القضاء مع النبي صلى الله عليه وسلم) لقوله: * (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين) *. وقال جعفر الصادق: من دخله ورقى على الصفا أمن أمن الأنبياء. وظاهر الآية ما بدأنا به أولا، وكل هذه الأقوال سواه متكلفات، وينبو اللفظ عنها، ويخالف بعضها ظواهر الآيات وقواعد الشريعة * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * روى عكرمة: أنه لما نزلت: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا قالت اليهود: نحن على الإسلام فنزلت: ولله على الناس حج البيت الآية، قيل له: حجهم يا محمد. إن كانوا على ملة إبراهيم التي هي الإسلام، فليحجوا إن كانوا مسلمين فقالت اليهود: لا نحجه أبدا. ودلت هذه الآية على تأكيد فرض الحج، إذ جاء