تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٧
أنه من وضع إبراهيم، وهو معارض لما ذكر في الأقوال السابقة: إلا إن حمل الوضع على التجديد فيمكن الجمع بينهما. وظاهر حديث أبي ذر يضعف قول الزجاج: إن بيت المقدس هو من بناء سليمان بن داود عليهما السلام، بل يظهر منه أنه من وضع إبراهيم، فكما وضع الكعبة وضع بيت المقدس. وقد بين صلى الله عليه وسلم): (أن بين الوضعين أربعين سنة) وأين زمان إبراهيم من زمان سليمان ومعنى وضع للناس: أي متعبدا يستوي في التعبد فيه الناس، إذ غيره من البيوت يختص بأصحابها، والمشترك فيه الناس هو محل طاعتهم وعبادتهم وقبلتهم. وقرأ الجمهور (وضع) مبنيا للمفعول. وقرأ عكرمة وابن السميقع وضع مبنيا للفاعل، فاحتمل أن يعود على الله، واحتمل أن يعود على إبراهيم، وهو أقرب في الذكر وأليق وأوفقق لحديث أبي ذر. وللناس متعلق بوضع، واللام فيه للتعليل، وللذي ببكة خبر إن. والنعنى: للبيت الذي ببكة. وأكدت النسبة بتأكيدين: إن واللام. وأخبر هنا عن النكرة وهو أول بيت لتخصصها بالإضافة، وبالصفة التي هي وضع إمالها، وإما لما أضيفت إليه. إذ تخصيصه تخصيص لها بالمعرفة وهو للذي ببكة، لأن المقصود الإخبار عن أول بيت وضع للناس، ويحسن الإخبار عن النكرة بالمعرفة دخول إن. ومن أمثلة سيبويه: أن قريبا منك زيد. تخصص قريب بلفظ منك، فحسن الإخبار عنه. وقد جاء بغير تخصيص وهو جائز في الاختيار قال:
* وإن حراما أن أسب مجاشعا * بآبائي الشم الكرام الخضارم * والباء في ببكة ظرفية كقولك: زيد بالبصرة. ويضعف أن يكون بكة هي المسجد، لأنه يلزم أن يكون الشيء ظرفا لنفسه، وهو لا يصح.
* (مباركا * وهى * للعالمين) * أما بركته فلما يحصل فيه من الثواب وتكفير السيئات لمن
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»