تعالى: * (وهو يطعم ولا يطعم) * وإن كان يلزم من الاحتياج إلى أكل الطعام خروجه، فليس مقصودا من اللفظ مستعارا له ذلك. وهذه الجملة استئناف إخبار عن المسيح وأمه منبهة كما ذكرنا على سمات الحدوث، وأنهما مشاركان للناس في ذلك، ولا موضع لهذه من الجملة من الإعراب.
* (انظر كيف نبين لهم الايات) * أي الاعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان ما اعتقدوه، وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم). وفي ضمن ذلك الأمر لأمته في ضلال هؤلاء وبعدهم عن قبول ما نبهوا عليه.
* (ثم انظر أنى يؤفكون) * كرر الأمر بالنظر لاختلاف المتعلق، لأن الأول: أثر بالنظر في كونه تعالى أوضح لهم الآيات وبينها بحيث لا يقع معها لبس، والأمر الثاني: هو بالنظر في كونهم يصرفون عن استماع الحق وتأمله، أو في كونهم يقلبون ما بين لهم إلى الضد منه، وهذان أمرا تعجيب. ودخلت ثم لتراخي ما بين العجبين، وكأنه يقتضي العجب من توضيح الآيات وتبيينها، ثم ينظر في حال من بينت له فيرى إعراضهم عن الآيات أعجب من توضيحها، لأنه يلزم من تبيينها تبينها لهم والرجوع إليها، فكونهم أفكوا عنها أعجب.
(* (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم * قل يأهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهوآء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سوآء السبيل * لعن الذين كفروا من بنىإسراءيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذالك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم أوليآء ولاكن كثيرا منهم فاسقون) *)) ) * * (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا) * لما بين تعالى بدليل النقل والعقل انتفاء الإلهية عن عيسى، وكان قد توعدهم ثم استدعاهم للتوبة وطلب الغفران، أنكر عليهم ووبخهم من وجه آخر وهو عجزه وعدم اقتداره على دفع ضرر وجلب نفع، وأن من كان لا يدفع عن نفسه حري أن لا يدفع عنكم. والخطاب للنصارى، نهاهم عن عبادة عيسى وغيره، وأن ما يعبدون من دون الله مساويهم في العجز وعدم القدرة. والمعنى: ما لا يملك لكم إيصال خير ولا نفع. قيل: وعبر بما تنبيها على أول أحواله، إذ مرت عليه أزمان حالة الحمل لا يوصف بالعقل فيها، ومن هذه صفته فكيف يكون إلها، أو لأنها مبهمة كما قال سيبويه. وما: مبهمة تقع على كل شيء، أو أريد به ما عبد من دون الله ممن يعقل، وما لا يعقل. وعبر بما تغليبا لغير العاقل، إذ أكثر ما عبد من دون الله هو ما لا يعقل كالأصنام والأوثان، أو أريد النوع أي: النوع الذي لا يملك لكم ضرا ولا نفعا كقوله: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * أي النوع الطيب، ولما كان إشراكهم بالله تضمن القول والاعتقاد جاء الختم بقوله:
* (والله هو السميع العليم) * أي السميع لأقوالكم، العليم باعتقادكم وما انطوت عليه نياتكم. وفي الإخبار عنه بهاتين الصفتين تهديد ووعيد على ما يقولونه ويعتقدونه، وتضمنت الآية الإنكار عليهم حيث عبدوا من دونه من هو متصف بالعجز عن دفع ضرر أو جلب نفع. قيل: ومن مرت عليه مدد لا يسمع فيها ولا يعلم، وتركوا القادر على الإطلاق السميع للأصوات العليم بالنيات.
* (قل ياأهل * أهل الكتاب * لا تغلوا فى دينكم غير الحق) * ظاهره نداء أهل الكتاب الحاضرين زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ويتناول من جاء بعدهم. ولما سبق القول في أباطيل اليهود وأباطيل النصارى، جمع الفريقان في النهي عن الغلو في الدين. وانتصب غير الحق وهو الغلو الباطل، وليس المراد بالدين هنا ما هم عليه، بل المراد الدين الحق الذي جاء به موسى وعيسى. قال الزمخشري: الغلو في الدين غلوان: غلو حق، وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه