تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥٢٠
بفعله، فإن الظلم لا هدى فيه، والظالم من حيث هو ظالم ليس بمهتد في ظلمه. وقال أبو العالية: الظالم من أبي أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وقال ابن إسحاق: أراد المنافقين. وقيل: الظالم هو الذي وضع الولاية في غير موضعها. وقال الزمخشري قريبا من هذا، قال: يعني الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر يمنعهم الله ألطافه، ويخذلهم مقتالهم انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.
* (فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) * الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم)، والذين في قلوبهم مرض عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين، أو من مؤمني الخزرج متابعة جهالة وعصبية، فهذا الصنف له حصة من مرض القلب قاله ابن عطية. ومعنى يسارعون فيهم: أي في موالاتهم ويرغبون فيها. وتقدم الكلام في المرض في أول البقرة.
وقرأ إبراهيم بن وثاب: فيرى بالياء من تحت، والفاعل ضمير يعود على الله، أو الرأي. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الذين فاعل ترى، والمعنى: أن يسارعوا، فحذفت أن إيجازا انتهى. وهذا ضعيف لأن حذف إن من نحو هذا لا ينقاس. وقرأ قتادة والأعمش: يسرعون بغير ألف من أسرع، وفترى أن كانت من رؤية العين كان يسارعون حالا، أو من رؤية القلب ففي موضع المفعول الثاني، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، هذا محفوظ من قول عبد الله بن أبي، وقاله معه منافقون كثيرون. قال ابن عباس: معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا. وقيل: الدائرة من جدب وقحط. ولا يميروننا ولا يقرضوننا. وقيل: دائرة تحوج إلى يهود وإلى معونتهم.
* (فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده) * هذا بشارة للرسول والمؤمنين بوعده تعالى بالفتح والنصرة. قال قتادة: عنى به القضاء في هذه النوازل والفتاح الفاضي. وقال السدي: يعني به فتح مكة. قال ابن عطية: وظاهر الفتح في هذه الآية ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعلو كلمته فيستغني عن اليهود. وقيل: فتح بلاد المشركين. وقيل: فتح قرى اليهود، يريدون قريظة والنضير وفدك وما يجري مجراهما. وقيل: الفتح الفرج، قاله ابن قتيبة. وقيل في قوله تعالى: * (أو أمر من عنده) * هو إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم، لم يكن للناس فيه فعل بل طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب، وقتل قريظة وسبي ذراريهم قاله: ابن السائب ومقاتل. وقيل: إذلالهم حتى يعطوا الجزية. وقيل: الخصب والرخا قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: إظهار أمر المنافقين وتربصهم الدوائر. وقال ابن عطية: ويظهر أن هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو مما ترتب على سعي النبي وأصحابه ونسب جدهم وعملهم، فوعد الله تعالى إما بفتح يقتضي تلك الأعمال، وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع، هو أيضا فتح لا يقع للبشر فيه تسبب انتهى.
* (فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين) * أي يصيرون نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أن أمر النبي لا يتم، ولا تكون الدولة لهم إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده. وقيل: موالاتهم. وقرأ ابن الزبير: فتصبح الفساق
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 ... » »»