2 (* (وأن احكم بينهم بمآ أنزل الله ولا تتبع أهوآءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض مآ أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) *)) 2 * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * قال ابن عباس: قال بعض اليهود لبعض منهم ابن صوريا وشاس بن قيس وكعب بن أسيد: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم، وإن اتبعناك اتبعك كل اليهود، وبيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك، فأبى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم) فنزلت. وقال مقاتل: قال جماعة من بني النضير له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا بني قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل، ونبايعك؟ فنزلت.
قال القاضي أبو يعلى: وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم، وإنما نزلت في شيئين مختلفين: أحدهما: شأن الرجم، والآخر التسوية انتهى. وهذه الآية ناسخة عند قوم للتخيير الذي في قوله: * (أو أعرض عنهم) * وتقدم ذكر ذلك وأجازوا في: وأن احكم، أن يكون في موضع نصب عطفا على الكتاب، أي: والحكم. وفي موضع جر عطفا على بالحق، وفي موضع رفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر مؤخرا، والتقدير: وحكمك بما أنزل أنزل الله أمرنا وقولنا. أو مقدما والتقدير: ومن الواجب حكمك بما أنزل الله. وقيل: أن تفسيرية، وأبعد ذلك من أجل الواو، ولا يصح ذلك بأن يقدر قبل فعل الأمر فعلا محذوفا فيه معنى القول أي: وأمرناك أن احكم، لأنه يلزم من ذلك حذف الجملة المفسرة بأن وما بعدها، وذلك لا يحفظ من كلام العرب. وقرىء بضم النون من: وأن احكم، اتباعا لحركة الكاف، وبكسرها على أصل التقاء الساكنين. والضمير في بينهم عائد على اليهود. وقيل: على جميع المتحاكمين.
* (ولا تتبع أهواءهم) * تقدم شرح هذه الجملة.
* (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) * أي يستزلوك. وحذره عن ذلك، وإن كان مأيوسا من فتنتهم إياه لقطع أطماعهم، وقال: عن بعض، لأن الذي سألوه هو أمر جزئي، سألوه أن يقضي لهم فيه على خصومهم فأبى منه. وموضع أن يفتنوك نصب على البدل، ويكون مفعولا من أجله.
* (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) * أي فإن تولوا عن الحكم بما أنزل الله وأرادوا غيره. ومعنى: أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، أن يعذبهم ببعض آثامهم. وأبهم بعضا هنا ويعني به والله أعلم التولي عن حكم الله وإرادة خلافه، فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك، وأراد أنهم ذوو ذنوب جمة كثيرة لا العدد، وهذا الذنب مع عظمه وهذا الإبهام فيه تعظيم التولي، وفرط إسرافهم في ارتكابه، ونظيره قول لبيد:
أو يرتبط بعض النفوس حمامها أراد نفسه وقصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام، كأنه قال: نفسا كبيرة أو نفسا أي نفس، وهذا الوعد بالمصيبة قد أنجزه له تعالى بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنضير وإجلاء عمر رضي الله عنه أهل خيبر وفدك وغيرهم. قال ابن عطية: وخصص إصابتهم ببعض الذنوب، لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم فيها نوعان: نوع يخصهم كشرب الخمر وزناهم ورشاهم، ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كمالأتهم للكفار، وأقوالهم في الدين، فهذا النوع هو الذي توعدهم الله به في الدنيا، وإنما يعذبون بكل الذنوب في الآخرة. وقال ابن عطية أيضا: فإن تولوا قبله محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر تقديره: لا تتبع واحذر، فإن حكموك مع ذلك واستقاموا فنعما ذلك، وإن تولوا فاعلم. ويحسن أن يقدر هذا