تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٨
الأعلى ثلث الدية، وفي الأسفل ثلثاها.
واختلف فيمن قطع أنفا هل يجري فيها القصاص أم لا؟ فقال أبو حنيفة: إذا قطعه من أصله فلا قصاص فيه، وإنما فيه الدية. وروي عن أبي يوسف: أن في ذلك القصاص إذا استوعب. واختلف في كسر الأنف: فمالك يرى القود في العمد منه، والاجتهاد في الخطأ. وروي عن نافع: لا دية فيه حتى يستأصله. وروي عن علي: أنه أوجب القصاص في كسرة. وقال الشافعي: إن جبر كسره ففيه حكومة، وما قطع من المارن بحسابه، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والشعبي، وبه قال الشافعي: وفي المارن إذا قطع ولم يستأصل الأنف الدية كاملة، قاله: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه. والمارن ما لان من الأنف، والأرنبة والروثة طرف المارن. ولو أفقده الشم أو نقصه: فالجمهور على أن فيه حكومة عدل.
والأذن بالأذن يقتضي وجوب القصاص إذا استوعب، فإن قطع بعضها ففيه القصاص إذا عرف قدره. وقال الشافعي: في الأذنين الدية، وفي إحداهما نصفها. وقال مالك: في الأذنين حكومة، وإنما الدية في السمع، ويقاس نقصانه كما يقاس في البصر. وفي إبطاله من إحداهما نصف الدية ولو لم يكن يسمع إلا بها.
والسن بالسن يتقضي أن القلع قصاص، وهذا لا خلاف فيه، ولو كسر بعضها. والأسنان كلها سواء: ثناياها، وأنيابها، وأضراسها، ورباعياتها، في كل واحدة خمس من الإبل من غير فضل. وبه قال: عروة، وطاووس، وقتادة، والزهري، والثوري، وربيعة، والأوزاعي، وعثمان البتي، ومالك، وأبو حنيفة، وأصحابه، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وروي عن علي، وابن عباس، ومعاوية. وروى ابن المسيب عن عمر: أنه قضى فيما أقبل من الفم بخمس فرائض وذلك خمسون دينارا، كل فريضة عشر دنانير، وفي الأضراس بعير بعير. قال ابن المسيب: فلو أصيب الفم كله في قضاء عمر نقصت الدية، أو في قضاء معاوية زادت، ولو كنت إنا لجعلتها في الأضراس بعيرين بعيرين. قال عمر: الأضراس عشرون، والأسنان اثنا عشر: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب. والخلاف إنما هو في الأضراس لا في الأسنان، ففي قضاء عمر الدية ثمانون، وفي قضاء معاوية مائة وستون. وعلى قول ابن المسيب مائة، وهي الدية كاملة من الإبل. وقال عطاء في الثنيتين والرباعيتين والنابين: خمس خمس، وفيما بقي بعيران بعيران، أعلى الفم وأسفله سواء. ولو قلعت سن صبي لم يثغر فنبتت فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا شيء على القالع. إلا أن مالكا والشافعي قالا: إذا نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها أخذ له من أرشها بقدر نقصها. وقالت طائفة: فيها حكومة، وروي ذلك عن الشعبي، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. ولو قلعت سن كبير فأخذ ديتها ثم نبتت فقال مالك: لا يرد ما أخذ. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يرد، والقولان عن الشافعي. ولو قلعت سن قودا فردها صاحبها فالتحمت فلا يجب قلعها عند أبي حنيفة، وبه قال عطاء الخراساني وعطاء بن أبي رباح. وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: يجبر على القلع، به قال ابن المسيب، ويعيد كل صلاة صلاها بها. وكذا لو قطعت أذنه فردها في حرارة الدم فالتزقت، وروي هذا القول عن عطاء أبو بكر بن العربي قال: وهو غلط. ولو قلع سنا زائدة فقال الجمهور: فيها حكومة، فإن كسر بعضها أعطى بحساب ما نقص منها، وبه قال: مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد. قال الأدفوي: وما علمت فيه خلافا. وقال زيد بن ثابت: في السن الزائدة ثلث السن، ولو جنى على سن فاسودت ثم عقلها، روي ذلك عن زيد، وابن المسيب، وبه قال: الزهري، والحسن، وابن سيرين، وشريح، والنخعي، وعبد الملك بن مروان، وأبو حنيفة، ومالك، والثوري. وروي عن عمران: فيها ثلث ديتها، وبه قال: أحمد وإسحاق. وقال النخعي والشافعي وأبو ثور: فيها حكومة، فإن طرحت بعد ذلك ففيها عقلها، وبه قال الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة، وإن اسود بعضها كان بالحساب قاله: الثوري.
والجروح قصاص أي ذات قصاص.
(٥٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 ... » »»