تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٩٥
الأصابع، وفي الرجل من نصف القدم، وهو معقد الشراك، وروي مثله عن عطاء وأبي جعفر، وقال أبو صالح السمان: رأيت الذي قطعه علي مقطوعا من أطراف الأصابع، فقيل له: من قطعك؟ قال: خير الناس، والظاهر أن المترتب على السرقة هو قطع اليد فقط، فإن كان المال قائما بعينه أخذه صاحبه، وإن كان السارق استهلكه فلا ضمان عليه، وبه قال مكحول وعطاء والشعبي وابن سيرين والنخعي في قول أبي حنيفة وأصحابه، وقال الحسن والزهري والنخعي في قو حماد وعثمان البتي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق: يضمن ويغرم، وقال مالك: إن كان موسرا ضمن، أو معسرا فلا شيء عليه، * (جزاء بما كسب نكالا من الله) * قال الكسائي: انتصب * (جزاء) * على الحال، وقال قطرب: على المصدر، أي: جازاهم جزاء، وقال الجمهور: هو على المفعول من أجله، و * (بما) * متعلق ب * (جزاء) * و * (ما) * موصولة، أي: بالذي كسباه، ويحتمل أن تكون مصدرية أي: جزاء يكسبها، وانتصاب نكالا على المصدر، أو على أنه مفعول من أجله، والعذاب النكال، والنكل القيد، تقدم الكلام فيه، في قوله * (فجعلناها نكالا) * وقال الزمخشري: جزاء ونكالا مفعول لما انتهى، وتبع في ذلك الزجاج، قال الزجاج: هو المفعول من أجله، يعني: جزاء، قال: وكذلك * (نكالا من الله) * انتهى، وهذا ليس بجيد إلا إذا كان الجزاء هو النكال، فيكون ذلك على طريق البدل، وأما إذا كانا متباينين، فلا يجوز أن يكونا مفعولين لهما إلا بواسطة حرف العطف، * (والله عزيز حكيم) * قيل: المعنى * (عزيز) * في شرع الردع * (حكيم) * في إيجاب القطع، وقيل * (عزيز) * في انتقامه من السارق، وغيره من أهل المعصية * (حكيم) * في فرائضه وحدوده، روي: أن بعض الأعراب سمع قرائا يقرأ * (والسارق والسارقة) * إلى آخرها، وختمها بقوله * (والله غفور رحيم) * فقال: ما هذا كلام فصيح، فقيل له: ليس التلاوة كذلك، وإنما هي * (والله عزيز حكيم) * فقال: بخ بخ عز، فحكم، فقطع. 2 (* (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) *)) 2 * (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) * أي فمن تاب من بعد ظلمه بالسرقة. وظلمه مضاف إلى الفاعل أي: من بعد أن ظلم غيره بأخذ مال أو سرقة. قيل: أو مضاف إلى المفعول أي: من بعد أن ظلم نفسه. وفي جواز هذا الوجه نظر إذ يصير التقدير: من بعد أن ظلمه. ولو صرح بهذا لم يجز، لأن فيه تعدي الفعل الرافع الضمير المتصل إلى الضمير المتصل المنصوب، وذلك لا يجوز إلا في باب ظن، وفقد، وعدم. ومعنى يتوب عليه أي: يتجاوز عنه ويقبل توبته. وظاهر الآية أنه بمجرد التوبة لا يقبل إلا إن ضم إلى ذلك الإصلاح وهو التنصل من التبعات بردها إن أمكن، وإلا بالاستحلال منها، أو بإنفاقها في سبيل الله إن جهل صاحبها. والغفران والرحمة كناية عن سقوط العقوبة عنه في الآخرة. قرأ الجمهور على أن الحد لا يسقط بالتوبة. وقال عطاء وجماعة: يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق، وهو أحد قولي الشافعي. وقال مجاهد: التوبة والإصلاح هي أن يقام عليه الحد
(٤٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»