ويختتن. ثم سمي من كان على دين إبراهيم حنيفا. انتهى.
وفي حديث زيد بن عمرو بن نفيل: أنه خرج إلى الشام يسأل عن الدين، وأنه لقي عالما من اليهود، ثم عالما من النصارى، فقال له اليهودي: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. وقال له النصراني: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. فقال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ومن لعنته. فهل تدلاني على دين ليس فيه هذا؟ قالا: ما نعلمه إلا أن تكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وكان لا يعبد إلا الله وحده، فلم يزل رافعا يديه إلى السماء. وقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم.
وقال الرازي ما ملخصه: إن النفي إن كان في الأصول، فتكون في الموافقة ليهود زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ونصاراه. لأنهم غيروا فقالوا: المسيح ابن الله، وعزير ابن الله. لا في الأصول التي كان عليها اليهود والنصارى الذين كانوا على ما جاء به موسى وعيسى، وجميع الأنبياء متوافقون في الأصول، وإن كان في الفروع فلأن الله نسخ شريعة إبراهيم بشريعة موسى وعيسى، وأما موافقته لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم) فإن كان في الأصول فظاهر، وإن كان في الفروع فتكون الموافقة في الأكثر، وإن خالف في الأقل فلم يقدح في الموافقة.
* (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهاذا النبى والذين ءامنوا والله ولى * المؤمنون) * قال ابن عباس: قالت رؤساء اليهود: والله يا محمد، لقد علمت أنا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وإنه كان يهوديا، وما بك إلا الحسد. فنزلت.
وروي حديث طويل في اجتماع جعفر وأصحابه، وعمرو بن العاص، وأصحابه. بالنجاشي، وفيه: أن النجاشي قال: لا دهورة اليوم على حزب إبراهيم. أي: لا خوف ولا تبعة، فقال عمرو: من حزب إبراهيم؟ فقال النجاشي: هؤلاء الرهط وصاحبهم، يعني: جعفرا وأصحابه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي، وخليل ربي إبراهيم). ثم قرأ هذه الآية. ومعنى: أولى الناس: أخصهم به وأقربهم منه من الولي، وهو القرب. والذين اتبعوه يشمل كل من اتبعه في زمانه وغير زمانه، فيدخل فيه متبعوه في زمان الفترات. وعنى بالأتباع أتباعه في شريعته.
وقال علي بن عيسى: أحقهم بنصرته أي: بالمعونة وبالحجة، فمن تبعه في زمانه نصره بمعونته على مخالفته. ومحمد والمؤمنون نصروه بالحجة له أنه كان محقا سالما من المطاعن، وهذا النبي: يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم)، وخص بالذكر من سائر من اتبعه لتخصيصه بالشرف والفضيلة، كقوله * (وجبريل وميكال) *.
* (والذين ءامنوا) * قيل: آمنوا من أمة محمد، وخصوا أيضا بالذكر تشريفا لهم، إذ هم أفضل الأتباع للرسل، كما أن رسولهم أفضل الرسل. وقيل: المؤمنون في كل زمان وعطف * (وهاذا النبى) * على خبر إن، ومن أعرب * (وهاذا النبى والذين ءامنوا * معه) * مبتدأ والخبر: هم المتبعون له، فقد تكلف إضمارا لا ضرورة تدعو إليه.
وقرئ: وهذا النبي، بالنصب عطفا على: الهاء، في اتبعوه، فيكون متبعا لا متبعا: أي: أحق الناس بإبراهيم من اتبعه، ومحمدا صلى الله عليهما وسلم، ويكون: والذين آمنوا، عطفا على خبر: إن، فهو في موضع رفع.
وقرئ: وهذا النبي، بالجر، ووجه على أنه عطف على: إبراهيم، أي: إن أولى الناس بإبراهيم وبهذا النبي للذين اتبعوا إبراهيم. و: النبي، قالوا: بدل من هذا، أو: نعت، أو: عطف بيان. ونبه على الوصف الذي يكون به الله وليا لعباده، وهو: الإيمان. فقال: ولي المؤمنين، ولم يقل: وليهم. وهذا وعد لهم بالنصر في الدنيا، وبالفوز في الآخرة. وهذا كما قال تعالى: * (الله ولي الذين ءامنوا) *.
قيل: وجمعت هذه الآيات من البلاغة: