تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٠٧
ذو الحال، وقد أجاز ذلك سيبويه وقاسه، والحال والصفة متلاقيان من حيث المعنى، والمصدر يحتاج إلى إضمار عامل، وإلى تأويل: سواء، بمعنى: استواء، والأشهر استعمال: سواء، بمعنى اسم الفاعل، أي: مستو، وقد تقدم الكلام على سواء في أول سورة البقرة، وقال قتادة، والربيع، والزجاج: هنا يعني بالسواء العدل، وهو من: استوى الشيء، وقال زهير:
* أروني خطة لا ضيم فيها * يسوي بيننا فيها السواء * والمعنى: إلى كلمة عادلة بيننا وبينكم. وقال أبو عبيدة: تقول العرب: قد دعاك فلان إلى سواء فاقبل منه. وفي مصحف عبد الله: إلى كلمة عدل بيننا وبينكم. وقال ابن عباس: أي كلمة مستوية، أي مستقيمة. وقيل: إلى كلمة قصد. قال ابن عطية: والذي أقوله في لفظة: سواء، أنها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع، وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون، صغيرهم وكبيرهم، وقد كانت سيرة المدعوين أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا، فلم يكونوا على استواء حال، فدعاهم بهذه الآية إلى ما يألف النفوس من حق لا يتفاضل الناس فيه، فسواء على هذا التأويل بمنزلة قولك لآخر: هذا شريكي في مال سواء بيني وبينه، والفرق بين هذا التفسير وبين تفسير لفظة: العدل، أنك لو دعوت أسيرا عندك إلى أن يسلم أو تضرب عنقه، لكنت قد دعوته إلى السواء الذي هو العدل، على هذا الحد جاءت لفظة: سواء، في قوله تعالى * (فانبذ إليهم على سواء) * على بعض التأويلات، وإن دعوت أسيرك إلى أن يؤمن فيكون حرا مقاسما لك. في عيشك لكنت قد دعوته إلى السواء الذي هو استواء الحال على ما فسرته واللفظة على كل تأويل فيها معنى العدل، ولكني لم أر لمتقدم أن يكون في اللفظة معنى قصد استواء الحال، وهو عندي حسن، لأن النفوس تألفه، والله الموفق للصواب. انتهى كلامه، وهو تكثير لا طائل تحته، والظاهر انتصاب الظرف بسواء.
* (أن لا * نعبد إلا الله) * موضع: أن، جر على البدل من: كلمة، بدل شيء من شيء، ويجوز أن في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف، أي: هي أن لا نعبد إلا الله. وجوزوا أن يكون الكلام تم عند قوله: سواء، وارتفاع: أن لا نعبد، على الابتداء والخبر قوله: بيننا
(٥٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»