قوله: * (وأنتم تعلمون) * أي: أنه نبي حق، وأن جاء به من عند الله حق. وقيل: قال: * (وأنتم تعلمون) * ليتبين لهم الأمر الذي يصح به التكليف، ويقوم عليهم به الحجة. وقيل: * (وأنتم تعلمون) * الحق بما عرفتموه من كتبكم وما سمعتموه من ألسنة أنبيائكم.
وفي هذه الآيات أنواع من البديع. الطباق في قوله: الحق بالباطل، والطباق المعنوي في قوله: لم تكفرون وأنتم تشهدون، لأن الشهادة إقرار وإظهار، والكفر ستر. والتجنيس المماثل في: يضلونك وما يضلون والتكرار في: أهل الكتاب والحذف في مواضع قد بينت.
2 (* (وقالت طآئفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذيأنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل مآ أوتيتم أو يحآجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *)) 2 * (وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون) * قال الحسن، والسدي: تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر وقرى عرينة، وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا به في آخر النهار، وقولوا إنا نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمدا ليس كذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم، وقالوا: هم أهل الكتاب فهم أعلم منا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، فنزلت.
وقال مجاهد، ومقاتل، والكلبي: هذا في شأن القبلة، لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود، فقال كعب بن الأشرف وأصحابه: صلوا إليها أول النهار، وارجعوا إلى كعبتكم الصخرة آخره، فنزلت.
وقال ابن عباس، ومجاهد: صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح، ثم ارجعوا آخر النهار فصلوا صلاتها ليرى الناس أنه قد بدت لهم منه ضلالة بعد أن كانوا اتبعوه، فنزلت.
وقال السدي: قالت اليهود لسفلتهم: آمنوا بمحمد أول النهار، فإذا كان بالعشي قولوا: قد عرفنا علماؤنا أنكم لستم على شيء، فنزلت.
وحكى ابن عطية، عن الحسن: أن يهود خيبر قالت ذلك ليهود المدينة. انتهى. جعلت اليهود هذا سببا إلى خديعة المسلمين.
والمقول لهم محذوف، فيحتمل أن يكون بعض هذه الطائفة لبعض، ويحتمل أن يكون المقول لهم ليسوا من هذه الطائفة، والمراد: بآمنوا، أظهروا الإيمان، ولا يمكن أن يراد به التصديق، وفي قوله: * (بالذي أنزل على الذين ءامنوا) * حذف أي: على زعمهم، وإلا فهم يكذبون، ولا يصدقون أن الله أنزل شيئا على المؤمنين.
وانتصب: وجه النهار، على الظرف ومعناه: أول النهار، شبه بوجه الإنسان إذ هو أول ما يواجه منه.
وقال الربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير بن خزيمة العبسي:
* من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا بوجه نهار * والضمير في: آخره، عائد على النهار، أي: آخر النهار.
والناصب للظرف الأول: آمنوا، وللآخر: اكفروا. وقيل: الناصب لقوله: وجه النهار، أنزل. أي: بالذي أنزل على الذين آمنوا في أول النهار، والضمير في: آخره، يعود على الذي