تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٠٥
والتجوز بإقامة ابن العم مقام النفس على أشهر الأقوال، والحذف في مواضع كثيرة.
2 (* (إن هاذا لهو القصص الحق وما من إلاه إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين * قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون * ياأهل الكتاب لم تحآجون فىإبراهيم ومآ أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون * هاأنتم هاؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحآجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهاذا النبى والذين ءامنوا والله ولى المؤمنين) *)) 2 * (إن هاذا لهو القصص الحق) * هذا خبر من الله جزم مؤكد فصل به بين المختصمين، والإشارة إلى القرآن على قول الجمهور، والظاهر أنه إشارة إلى ما تقدم من أخبار عيسى، وكونه مخلوقا من غير أب، قاله ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد، وغيرهم. أي: هذا هو الحق لا ما يدعيه النصارى فيه من كونه إلها أو ابن الله، ولا ما تدعيه اليهود فيه، وقيل: هذا إشارة إلى ما بعده من قوله * (وما من إلاه إلا الله) * ويضعف بأن هذه الجملة ليست بقصص وبوجود حرف العطف في قوله: وما قال بعضهم إلا إن أراد بالقصص الخبر، فيصح على هذا، ويكون التقدير: إن الخبر الحق أنه ما من إله إلا الله. انتهى. لكن يمنع من هذا التقدير وجود واو العطف واللام في: لهو، دخلت على الفصل. والقصص خبر إن، والحق صفة له، والقصص مصدر، أو فعل بمعنى مفعول، أي: المقصوص كالقبض، بمعنى المقبوض، ويجوز أن يكون: هو، مبتدأ و: القصص، خبره، والجملة، في موضع خبر إن ووصف القصص بالحق إشارة إلى القصص المكذوب الذي أتى به نصارى نجران، وغيرهم، في أمر عيسى وإلا هيته.
* (وما من إلاه إلا الله) * أي: المختص بالإلهية هو الله وحده، وفيه رد على الثنوية والنصارى، وكل من يدعي غير الله إلها.
و: من، زائدة لاستغراق الجنس، و: إله، مبتدأ محذوف الخبر، و: الله، بدل منه على الموضع، ولا يجوز البدل على اللفظ، لأنه يلزم منه زيادة: من، في الواجب، ويجوز في العربية في نحو هذا التركيب نصب ما بعد: إلا، نحو ما من شجاع إلا زيدا، ولم يقرأ بالنصب في هذه الآية، وإن كان جائزا في العربية النصب على الاستثناء.
* (وإن الله لهو العزيز الحكيم) * إشارة إلى وصفي الإلهية وهما: القدرة الناشئة عن الغلبة فلا يمتنع عليه شيء، والعلم المعبر عنه بالحكمة فيما صنع والإتقان لما اخترع، فلا يخفي عنه شيء. وهاتان الصفتان منفيتان عن عيسى.
ويجوز في: لهو، من الإعراب ما جاز في: لهو القصص، وتقديم ذكر فائدة الفصل.
* (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) * قال مقاتل: فإن تولوا عن الملاعنة. وقال الزجاج: عن البيان الذي أبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال أبو سليمان الدمشقي: عن الإقرار بالوحدانية والتنزيه عن الصاحبة والولد وقال المرسي: عن هذا الذكر وقيل: عن الإيمان.
و: تولوا، ماض أو مضارع حذفت تاؤه، وجواب الشرط في الظاهر الجملة من قوله: * (فإن الله عليم بالمفسدين) *، والمعنى: ما يترتب على علمه بالمفسدين من معاقبته لهم، فعبر عن العقاب بالعلم الذي ينشأ عنه عقابهم، ونبه على العلة التي
(٥٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 ... » »»