وأجاب الرازي: بأن الإجماع منعقد على أن النبي صلى الله عليه وسلم) أفضل ممن ليس بنبي، وعلي لم يكن نبيا، فلزم القطع بأنه مخصوص في حق جميع الأنبياء.
وقال الرازي: استدلال الحمصي فاسد من وجوه.
منها قوله: إن الإنسان لا يدعو نفسه بل يجوز للإنسان أن يدعو نفسه، تقول العرب: دعوت نفسي إلى كذا فلم تجبني، وهذا يسميه أبو علي بالتجريد.
ومنها قوله: وأجمعوا على أن الذي هو غيره هو علي، ليس بصحيح، بدليل الأقوال التي سيقت في المعنى بقوله: وأنفسنا.
ومنها قوله: فيكون نفسه مثل نفسه، ولا يلزم من المماثلة أن تكون في جميع الأشياء، بل تكفي المماثلة في شيء ما، هذا الذي عليه أهل اللغة، لا الذي يقوله المتكلمون: من أن المماثلة تكون في جميع صفات النفس، هذا اصطلاح منهم لا لغة. فعلى هذا تكفي المماثلة في صفة واحدة، وهي كونه من بني هاشم، والعرب تقول: هذا من أنفسنا، أي: من قبيلتنا. وأما الحديث الذي استدل به فموضوع لا أصل له. وهذه النزغة التي ذهب إليها هذا الحمصي من كون علي أفضل من الأنبياء عليهم السلام سوى محمد صلى الله عليه وسلم)، وتلقفها بعض من ينتحل كلام الصوفية، ووسع المجال فيها، فزعم أن الولي أفضل من النبي، ولم يقصر ذلك على ولي واحد، كما قصر ذلك الحمصي، بل زعم: أن رتبة الولاية التي لا نبوة معها أفضل من رتبة النبوة. قال: لأن الولي يأخذ عن الله بغير واسطة، والنبي يأخذ عن الله بواسطة ومن أخذ بلا واسطة أفضل ممن أخذ بواسطة. وهذه المقالة مخالفة لمقالات أهل الإسلام. نعوذ بالله من ذلك، ولا أحد أكذب ممن يدعي أن الولي يأخذ عن الله بغير واسطة، لقد يقشعر المؤمن من سماع هذا الافتراء وحكى لي من لا أتهمه عن بعض المنتمين، إلى أنه من أهل الصلاح، أنه رؤي في يده كتاب ينظر فيه، فسئل عنه. فقال: فيه ما أخذته عن رسول الله، وفيه ما أخذته عن الله شفاها، أو شافهني به، الشك من السامع. فانظر إلى جراءة هذا الكاذب على الله حيث ادعى مقام من كلمه الله: كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء قيل: وفي هذه الآية ضروب من البلاغة: منها إسناد الفعل إلى غير فاعله، وهو: * (إذ قال الله ياعيسى * عيسى) * والله لم يشافهه بذلك، بل بإخبار جبريل أو غيره من الملائكة. والاستعارة في: * (متوفيك) * وفي: * (فوق الذين كفروا) * والتفصيل لما أجمل في: * (إلي مرجعكم فأحكم) * بقوله: فأما، وأما، والزيادة لزيادة المعنى في * (من ناصرين) * أو: المثل في قوله * (إن مثل عيسى) *. والتجوز بوضع المضارع موضع الماضي في قوله * (نتلوه) * وفي * (فيكون) * وبالجمع بين أداتي تشبيه على قول في * (كمثل ءادم) * وبالتجوز بتسمية الشيء باسم أصله في * (خلقه من تراب) *. وخطاب العين، والمراد به غيره، في * (فلا تكن من) *. والعام يراد به الخاص في * (تعالوا ندع أبناءنا) * الآية