ويجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف يفسره ما بعده، فيكون من باب الاشتغال.
* (فأعذبهم عذابا شديدا) * وصف العذاب بالشدة لتضاعفه وازدياده. وقيل: لاختلاف أجناسه.
* (فى الدنيا) * بالأسر والقتل والجزية والذل، ومن لم ينله شيء من هذا فهو على وجل، إذ يعلم أن الإسلام يطلبه.
* (والاخرة) * بعذاب النار. وهذا إخبار منه تعالى بما يفعل بالكافر من أول أمره في دنياه إلى آخر أمره في عقباه.
* (وما لهم من ناصرين) * تقدم تفسير هذه الجملة في هذه السورة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
* (وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم) * بدأ أولا بقسم الكفار، لأن ما قبله من ذكر حكمه تعالى بينهم هو على سبيل التهديد والوعيد للكفار، والإخبار بجزائهم، فناسبت البداءة بهم، ولأنهم أقرب في الذكر بقوله: * (فوق الذين كفروا) * وبكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى وراموا قتله، ثم أتى ثانيا بذكر المؤمنين، وعلق هناك العذاب على مجرد الكفر، وهنا علق توفية الأجر على الإيمان وعمل الصالحات تنبيها على درجة الكمال في الإيمان، ودعاء إليها.
والتوفية: دفع الشيء وافيا من غير نقص، والأجور: ثواب الأعمال، شبهه بالعامل الذي يوفى أجره عند تمام عمله. وتوفية الأجور هي: قسم المنازل في الجنة بحسب الأعمال على ما رتبها تعالى، وفي الآية قبلها قال: * (فأعذبهم) * أسند الفعل إلى ضمير المتكلم وحده، وذلك ليطابق قوله: * (فأحكم بينكم) * وفي هذه الآية قال: فيوفيهم، بالياء على قراءة حفص، ورويس، وذلك على سبيل الالتفات والخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة للتنوع في الفصاحة. وقرأ الجمهور: فنوفيهم، بالنون الدالة على المتكلم المعظم شأنه، ولم يأت بالهمزة كما في تلك الآية ليخالف في الإخبار بين النسبة الإسنادية فيما يفعله بالكافر وبالمؤمن، كما خالف في الفعل، ولأن المؤمن العامل للصالحات عظيم عند الله، فناسبه الإخبار عن المجازي بنون العظمة.
ويجوز أن يكون: الذين آمنوا، مبتدأ، ويجوز انتصابه على إضمار فعل يفسر ما بعده، ويكون ذلك من باب الاشتغال، كقوله: * (وأما ثمود فهديناهم) * فيمن نصب الدال.
* (والله لا يحب الظالمين) * تقدم تفسير ما يشبه هذا، وهو قوله: * (فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) * واحتج المعتزلة بهذا على أنه تعالى لا يريد الكفر والمعاصي، لأن مريد الشيء محب له إذا كان ذلك الشيء من الأفعال، وإنما تخالف المحبة الإرادة إذا علقتا بالأشخاص، فيقال: أحب زيدا، ولا يقال: أريده، وأما الأفعال فهما فيها واحد، فقوله: لا يحب: لا يريد ظلم الظالمين، هكذا قرره عبد الجبار، وعند أصحابنا المحبة عبارة عن إرادة إيصال الخير له، فهو تعالى، وإن أراد كفر الكافر، لا يريد إيصال الثواب إليه.
* (ذالك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) * ذلك: إشارة إلى ما تقدم من خبر عيسى وزكريا وغيرهما، و: نتلوه، نسرده ونذكره شيئا بعد شيء، وأضاف التلاوة إلى نفسه وإن كان الملك هو التالي تشريفا له، جعل تلاوة المأمور تلاوة الآمر، وفي: نتلوه، التفات، لأن قبله ضمير غائب في قوله: لا يحب، ونتلوه: معناه تلوناه، كقوله: * (واتبعوا ما تتلوا * الشياطين) * ويجوز أن يراد به ظاهره من الحال، لأن قصة عيسى لم يفرغ منها، ويكون: ذلك، بمعنى: هذا.
والآيات هنا الظاهر أنه يراد بها آيات القرآن، ويحتمل أن يراد بها المعجزات والمستغربات، أي: نأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا، وبسبب تلاوتنا، وأنت أمي لا تقرأ ولا تصحب أهل الكتاب، فهي آيات لنبوتك. قالن ابن عباس، والجمهور: والذكر: القرآن والحكيم أي: الحاكم، أتى بصيغة المبالغة فيه، ووصف بصفة من هو من سببه وهو الله تعالى، أو: كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه. قال الزجاج: لأنه ذو حكمة في تأليفه ونظمه، ويجوز أن يكون بمعنى المحكم، قاله الجمهور، أحكم عن طرق الخلل، ومنه قوله: * (الر كتاب) * ويكون: فعيل، بمعنى: مفعل، وهو قليل، ومنه: أعقدت العسل فهو معقد وعقيد، وأحبست فرسا في سبيل الله فهو محبس وحبيس.
وقيل: المراد بالذكر هنا اللوح المحفوظ الذي منه نقلت جميع كتب الله المنزلة على الأنبياء، أخبر أنه أنزل هذه القصص مما كتب هناك.
و: ذلك، مبتدأ، و: نتلوه، خبر و: من الآيات، متعلق بمحذوف لأنه في موضع الحال، أي: كائنا من الآيات. و: من، للتبعيض لأن هذا المتلو بعض الآيات والذكر، وجوزوا أن يكون: من