منهم، فأرى الله المسلمين الكافرين في ضعفي المسلمين على ما قرر في قوله: * (إن يكن منكم * مائة صابرة يغلبوا مائتين) * لتجترئوا عليهم.
وإذن كان الضمير في: لكم، للكافرين وفي: ترونهم، الخطاب لهم، والمنصوب والمجرور للمؤمنين. والتقدير: ترون أيها الكافرون المؤمنين مثلي أنفسهم.
ويحتمل أن يكون الضمير المجرور عائدا على الفئة الكافرة، أي: مثلي الفئة الكافرة وهم أنفسهم، فيكون الله تعالى قد أرى المشركين المؤمنين أضعاف أنفس المؤمنين، أو أضعاف الكافرين على قلة المؤمنين ليهابوهم ويجبنوا عنهم، وكانت تلك الرؤية مددا من الله للمؤمنين، كما أمدهم تعالى بالملائكة، فإن كانت هذه، وآية الأنفال في قصة واحدة، فالجمع بين هذا التكثير وذاك التقليل باعتبار حالين، قللوا أولا في أعين الكفار حتى يجترئوا على ملاقاة المؤمنين، وكثروا حالة الملاقاة حتى قهروا وغلبوا، كقوله: * (وقفوهم إنهم) * * (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) * وأما من قرأ بالياء المفتوحة. فالظاهر أن الجملة صفة لقوله: وأخرى كافرة، وضمير الرفع عائد عليها على المعنى، إذ لو عاد على اللفظ لكان: تراهم، وضمير النصب عائد على: فئة تقاتل في سبيل الله، وضمير الجر في: مثليهم، عائد على فئة أيضا، وذلك على معنى الفئة، إذ لو عاد على اللفظ لكان التركيب: تراها مثليها، أي ترى الفئة الكافرة الفئة المؤمنة في مثلي عدد نفسها. أي: ستمائة ونيف وعشرين، أو مثلي أنفس الفئة الكافرة، أي ألفين، أو قريبا من ألفين.
ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل عائدا على الفئة المؤمنة على المعنى، والضمير المنصوب والمجرور عائدا على الفئة الكافرة على المعنى، أي: ترى الفئة المؤمنة الفئة الكافرة مثلي نفسها.
ويحتمل أن يعود الضمير المجرور على الفئة الكافرة، أي: مثلي الفئة الكافرة. والجملة إذ ذاك صفة لقوله: وأخرى كافرة، ففي الوجه الأول الرابط الواو، وفي هذا الوجه الرابط ضمير النصب. وإذا كان الضمير في: لكم، لليهود؛ فالآية كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم) أن يقوله لهم احتجاجا عليهم، وتثبيتا لصورة الوعد السابق من أن الكفار: سيغلبون.
فمن قرأ بالتاء كان معناه: لو حضرتم، أو إن كنتم حضرتم، وساغ هذا الخطاب لوضوح الأمر في نفسه، ووقوع اليقين به، لكل إنسان في ذلك العصر، ومن قرأ بالياء فضمير الفاعل يحتمل أن يكون للفئة المؤمنة، ويحتمل أن يكون للفئة الكافرة على ما تقرر قبل.
والرؤية في هاتين القراءتين بصرية تتعدى لواحد، وانتصب: مثليهم، على الحال. قاله أبو علي، ومكي، والمهدوي. ويقوي ذلك ظاهر قوله: رأي العين، وانتصابه على هذا انتصاب المصدر المؤكد.
قال الزمخشري: رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات. وقيل: الرؤية هنا من رؤية القلب، فيتعدى لاثنين، والثاني هو: مثليهم. ورد هذا بوجهين: أحدهما: قوله تعالى: رأي العين، والثاني: أن رؤية القلب علم، ومحال أن يعلم الشيء شيئين.
وأجيب عن الأول: بأن انتصابه انتصاب المصدر التشبيهي، أي: رأيا مثل رأي العين أي يشبه رأي العين وليس في التحقيق به. وعن الثاني: بأن معنى الرؤية هنا الاعتقاد، فلا يكون ذلك محالا. وإذا كانوا قد أطلقوا العلم في اللغة على الاعتقاد دون اليقين، فلأن يطلقوا الرأي عليه أولى. قال تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات) * أي فإن اعتقدتم إيمانهن، ويدل على هذا قراءة من قرأ: ترونهم، بضم التاء، أو الباء. قالوا: فكأن المعنى أن اعتقاد التضعيف في جمع الكفار أو المؤمنين كان تخمينا وظنا، لا يقينا. فلذلك ترك في العبارة ضرب من الشك، وذلك أن: أري، بضم الهمزة تقولها فيما عندك فيه نظر، وإذا كان كذلك، فكما استحال أن يحمل الرأي هنا على العلم، يستحيل أن يحمل على النظر بالعين، لأنه كما لا يقع: العلم غير مطابق للمعلوم، كذلك لا يقع: النظر البصري مخالفا للمنظور إليه، فالظاهر أن ذلك إنما هو على سبيل التخمين والظن، وإنه لتمكن ذلك في اعتقادهم.
شبه برؤية العين، والرأي مصدر: رأى، يقال: رأى رأيا ورؤية ورؤيا، ويغلب رؤيا في المنام ورؤية في البصرية يقظة، ورأيا في الاعتقاد، يقال: هذا رأي فلان، قال