* (فأخذهم الله بذنوبهم) * رجع من التكلم إلى الغيبة، ومعنى الأخذ بالذنب: العقاب عليه، والباء في: بذنوبهم، للسبب.
* (والله شديد العقاب) * تقدم تفسير مثل هذا، وفيه إشارة إلى سطوة الله على من كفر بآياته وكذب بها.
قيل: وتضمنت هذه الآيات من ضروب الفصاحة.
حسن الإبهام، وهو فيما افتتحت به، لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
ومجاز التشبيه في مواضع منها * (نزلت * عليك الكتاب) * وحقيقة النزول طرح جرم من علو إلى أسفل، والقرآن مثمبت في اللوح الحفوظ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل فشبه به، وأطلق عليه لفظ الإنزال وفي قوله: * (لما بين يديه) * القرآن مصدق لما تقدمه من الكتب، شبه بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئا فشيئا وفي قوله: * (وأنزل التوراة * الإنجيل * من قبل هدى * الناس * وأنزل الفرقان) * أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمرا، أي: يستره لما فيها من المعاني الغامضة، والإنجيل شبه لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النجلاء، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد، كالطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه، وشبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين، وفي قوله: * (عذاب شديد) * شبه ما يحصل للنفس من ضيق العذاب وألمه بالمشدود الموثق المضيق عليه، وفي قوله: * (يصوركم) * شبه أمره بقوله: كن أو تعلق إرادته بكونه جاء على غاية من الإحكام والصنع بمصور يمثل شيئا، فيضم جرما إلى جرم، ويصور منه صورة وفي قوله: * (منه آيات محكمات) * جعل ما اتضح من معاني كتابه، وظهرت آثار الحكمة عليه محكما، وشبه المحكم لما فيه من أصول المعاني التي تتفرع منها فروع متعددة ترجع إليها بالأم التي ترجع إليها ما تفرع من نسلها ويؤمونها، وشبه ما خفيت معانيه لاختلاف أنحائه كالفواتح، والألفاظ المحتملة معاني شتى، والأيات الدالة على أمر المعاد والحساب بالشيء المشتبه الملبس أمره الذي وجم العقل عن تكييفه؛ وفي قوله: * (في قلوبهم زيغ) * شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه، وفي قوله: * (وهب لنا من لدنك رحمة) * شبه المعقول من الرحمة عن إرادة الخير، بالمحسوس من الإجرام من العوض والمعوض في الهبة وفي قوله: * (وقود النار) * شبهم بالحطب الذي لا ينتفع به إلا في الوقود. وقال تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * والحصب الحطب بلغة الحبشة، وفي قوله: * (فأخذهم الله بذنوبهم) * شبه إحاطة عذابه بهم بالمأخوذ باليد المتصرف فيه بحكم إرادة الأخذ.
وقيل: هذه كلها استعارات، ولا تشبيه فيها إلا * (كدأب ءال فرعون) * فإنه صرح فيه بذكر أداة التشبيه.
والاختصاص في مواضع، منها في قوله: * (نزل عليك الكتاب) * إلى * (وأنزل الفرقان) * على من فسره بالزبور، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل، لأن أصحاب الكتب إذ ذاك: المؤمنون، واليهود، والنصارى، وفي قوله: * (لا يخفى عليه شىء في الارض ولا فى السماء) * خصمهما لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا، ولأنهما محلان للعقلاء، ولأن منهما أكثر المنافع المختصة بعباده. وفي قوله: * (والرسخون) * اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم؛ وفي قوله: * (أولو الالباب) * لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز، والنظر، والاعتيار. وفي قوله: * (لا تزغ قلوبنا) * اختص القلوب لأن بها صلاح الجسد وفساده، وليس كذلك بقية الأعضاء، ولأنها محل الإيمان ومحل العقل على قول من يقول ذلك، وفي قوله: * (إنك جامع الناس ليوم) * وهو جامعهم في الدنيا على وجه الأرض أحياء وفي بطنها أمواتا، لأن في ذلك اليوم الجمع الأكبر، وهو الحشر، ولا يكون إلا في ذلك اليوم، ولا جامع إلا هو تعالى. وفي قوله: * (إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم) * اختص الكفار لأن المؤمنين تغني عنهم أموالهم التي ينفقونها في وجوه البر، فهم يجنون ثمرتها في الآخرة، وتنفعهم أولادهم في الآخرة، يسقونهم ويكونون لهم حجابا من النار، ويشفعون فيهم إذا ماتوا صغارا، وينفعونهم بالدعاء الصالح كبارا. وكل هذا ورد به الحديث الصحيح.
وفي قوله: * (كدأب ءال فرعون) * خصهم بالذكر، وقدمهم لأنهم أكثر الأمم طغيانا، وأعظمهم تعنتا على أنبيائهم، فكانوا أشد الناس عذابا.
والحذف في مواضع، في قوله: * (لما بين يديه) * أي: من الكتب و * (أنزل * التوراة والإنجيل) * أي: وأنزل الإنجيل، لأن الإنزالين في زمانين * (هدى للناس) * أي: الدين أراد هداهم: عذاب شديد، أي يوم القيامة،. * (ذو انتقام) * أي ممن أراد عقوبته * (في الارض ولا فى السماء) * أي ولا في غيرهما * (العزيز) * أي: في ملكه. * (الحكيم) * أي في صنعه * (وأخر) * أي: آيات أخر * (زيغ) *