تعالى أن لا يزيغ قلوبهم بعد الهداية، وكانت ثمرة انتفاء الزيغ والهداية إنما تظهر في يوم القيامة، أخبروا أنهم موقنون بيوم القيامة، والبعث فيه للمجازاة، وأن اعتقاد صحة الوعد به هو الذي هداهم إلى سؤال أن لا يزيغ قلوبهم. ومعنى: ليوم لا ريب فيه، أي: لجزاء يوم، ومعنى: لا ريب فيه، لا شك في وجوده لصدق من أخبر به، وإن كان يقع للمكذب به ريب فهو بحال ما لا ينبغي أن يرتاب فيه.
وقيل: الللام، بمعنى: في، أي: في يوم، ويكون المجموع لأجله لم يذكر، وظاهر هذا الجمع أنه الحشر من القبور للمجازاة، فهو اسم فاعل بمعنى الاستقبال، ويدل على أنه مستقبل قراءة أبي حاتم: جامع الناس، بالتنوين، ونصب: الناس.
وقيل: معنى الجمع هنا أنه يجمعهم في القبور، وكأن اللام تكون بمعنى إلى للغاية، أي: جامعهم في القبور إلى يوم القيامة، ويكون اسم الفاعل هنا لم يلحظ فيه الزمان، إذ من الناس من مات، ومنهم من لم يمت، فنسب الجمع إلى الله من غير اعتبار الزمان، واالضمير في: فيه، عائد على اليوم، إذ الجملة صفة له، ومن أعاده على الجمع المفهوم من جامع، أو على الجزاء الدال عليه المعنى، فقد أبعد.
* (إن الله لا يخلف الميعاد) * ظاهر العدول من ضمير الخطاب إلى الاسم الغائب يدل على الاستئناف، وأنه من كلام الله تعالى لا من كلام الراسخين الداعين.
قال الزمخشري: معناه أن الإلهية تنافي خلف الميعاد، كقولك: إن الجواد لا يخيب سائله، والميعاد: الموعد. انتهى كلامه، وفيه دسيسه الاعتزال بقوله: إن الإلهية تنافي خلف الميعاد. وقد استدل الجبائي بقوله * (إن الله لا يخلف الميعاد) * على القطع بوعيد الفساق مطلقا، وهو عندنا مشروط بعدم العفو، كما اتفقنا نحن وهم على أنه مشروط بعدم التوبة، والشرطان يثبتان بدليل منفصل، ولئن سلمنا ما يقولونه فلا نسلم أن الوعيد يدخل تحت الوعد.
وقال الواحدي: يجوز حمله على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب، ولذلك يمدحون به قال الشاعر:
* إذا وعد السراء أنجز وعده * وإن وعد الضراء فالعفو مانعه * ويحتمل أن تكون هذه الجملة من كلام الداعين، ويكون ذلك من باب الالتفات، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة لما في ذكره باسمه الأعظم من التفخيم والتعظيم والهيبة، وكأنهم لما والوا الدعاء بقولهم: ربنا، أخبروا عن الله تعالى بأنه الوفي بالوعد. وتضمن هذا الكلام الإيمان بالبعث، والمجازاة، والإيفاء بما وعد تعالى.
* (إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) * قيل: المراد وفد نجران لأنه روي أن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه: إني أعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولكني إن أظهرت ذلك أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال. وقيل: الإشارة إلى معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال ابن عباس: قريظة، والنضير. وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم، وهي عامة تتناول كل كافر.
ومعنى: من الله، أي: من عذابه الدنيوي والأخروي، ومعنى: أغنى عنه، دفع عنه ومنعه، ولما كان المال في باب المدافعة والتقرب والفتنة أبلغ من الأولاد، قدم في هذه الآية، وفي قوله: * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى * وفى * قوله * إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * وفي قوله: * (وتكاثر فى الاموال والاولاد) * وفي قوله: * (لا ينفع مال ولا بنون) * بخلاف قوله تعالى: * (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة) * إلى آخرها، فإنه ذكر هنا حب الشهوات، فقدم فيه النساء والبنين على ذكر الأموال. وسيأتي