تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٠٠
التعارض، وإما متبعوه وسائلون عنه سؤال تعنت، كما جرى لأصيبغ مع عمر، فضرب عمر رأسه حتى جرى دمه على وجهه. إنتهى كلامه ملخصا.
* (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) * علل اتباعهم للمتشابه بعلتين:
إحداهما: ابتغاء الفتنة. قال السدي، وربيع، ومقاتل، وابن قتيبة: هي الكفر. وقال مجاهد: الشبهات واللبس. وقال الزجاج: إفساد ذات البين. وقيل: الشبهات التي حاج بها وفد نجران.
والعلة الثانية: ابتغاء التأويل. قال ابن عباس: ابتغوا معرفة مدة النبي صلى الله عليه وسلم). وقيل: التأويل: التفسير، نحو * (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) * وقال ابن عباس أيضا: طلبوا مرجع أمر المؤمنين، ومآل كتابهم ودينهم وشريعتهم، والعاقبة المنتظرة. وقال الزجاج: طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم، فأعلم تعالى: أن تأويل ذلك، ووقته يوم يرون ما يوعدون من البعث والعذاب، يقول الذين نسوه، أي تركوه: قد جاءت رسل ربنا، أي: قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل. وقال السدي: أرادوا أن يعلموا عواقب القرآن، وهو تأويله متى ينسخ منه شيء. وقيل: تأويله طلب كنه حقيقته وعمق معانيه. وقال الفخر الرازي كلاما ملخصه: إن المراد بالتأويل ما ليس في الكتاب دليل عليه، مثل: متى الساعة؟ ومقادير الثواب والعقاب لكل مكلف؟
وقال الزمخشري: * (الذين في قلوبهم زيغ) * هم أهل البدع، فيتبعون ما تشابه منه، فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم، ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق، ابتغاء الفتنة: طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم، وابتغاء تأويله: طلب أن يؤولوه التأويل الذي يشهونه. إنتهى كلامه. وهو كلام حسن.
* (وما يعلم تأويله إلا الله والرسخون في العلم يقولون ءامنا به) * تم الكلام عند قوله: إلا الله، ومعناه إن الله استأثر بعلمه تأويل المتشابه، وهو قول ابن مسعود، وأبي، وابن عباس، وعائشة، والحسن، وعروة، وعمر بن عبد العزيز، وأبي نهيك الأسدي، ومالك بن أنس، والكسائي، والفراء، ولجلبائي، والأخفش، وأبي عبيد. واختاره: الخطابي والفخر الرازي.
ويكون قوله * (والرسخون) * مبتدأ و * (يقولون) * خبر عنه وقيل: والراسخون، معطوف على الله، وهم يعلمون تأويله، و: يقولون، حال منهم أي: قائلين وروي هذا عن ابن عباس أيضا، ومجاهد والربيع بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وأكثر المتكلمين. ورجح الأول بأول بأن الدليل إذا دل على غير الظاهر علم أن المراد بعض المجازات، وليس الترجيح لبعض إلا بالأدلة اللفظية، وهي ظنية، والظن لا يكفي في القطعيات، ولأن ما قبل الآية يدل على ذم طالب المتشابه، ولو كان جائزا لما ذم بأن طلب وقت الساعة تخصيص بعض المتشابهات، وهو ترك للظاهر، ولا يجوز، ولأنه مدح الراسخين في
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»