اللفظ لا ينزل عليه نزولا بينا. انتهى ما ذكره ملخصا بعضه. وفيما ذكره ابن أبي الفضل نظر، لأن تلك التقادير التي قدرها ظاهرها السؤال. أما من قدر: واجعل من ذريتي إماما، فهو سؤال؛ وأما من قدر: وتجعل وجاعل، فهو استفهام على حذف الاستفهام، إذ معناه: وأجاعل أنت يا رب، أو أتجعل يا رب من ذريتي. والاستفهام يؤول معناه إلى السؤل، ولا يجوز أن يكون المقدر من قولهم: وجاعل، أو تجعل من ذريتي إماما خبرا، لأنه خبر من نبي. وإذا كان خبرا من نبي، كان صدقا ضرورة. ولم يتقدم من الله إعلام لإبراهيم بذلك، إنما أعلمه أنه يجعله للناس إماما. فمن أين يخبر بذلك؟ ومن يخاطب بذلك؟ إن كان الله قد أعلمه ذلك. وإنما ذلك التقدير على سبيل الاستفهام والاستعلام. هل تحصل الإمامة لبعض ذريته أم لا تحصل؟ فأجابه الله: إلى أن من كان ظالما لا يناله عهده. وأما قوله: إن ظاهر اللفظ أن أولادك ظالمون، فليس كذلك، بل ظاهره أنه لا يناله من ظلم من أولاده وغير أولاده، ودل بمفهوم الصفة على أن غير الظالم ينالها. ولو كان على ما قاله ابن أبي الفضل، لكان اللفظ لا ينالها ذريتك لظلمهم، مع أنه يحتمل أن الظالمين تكون الألف واللام فيه معاقبة للضمير، أي: ظالموهم، أو الضمير محذوف، أي منهم. ومن أغرب الانتزاعات في قوله: * (لا ينال عهدي الظالمين) * ما ذكر لي بعض الإمامية أنهم انتزعوا من هذا، كون أبي بكر لا يكون إماما قالوا: لأن إطلاق اسم الظلم يقع عليه، لأنه سجد للأصنام، فقد ظلم. وقد قال تعالى: * (لا ينال عهدي الظالمين) *، وذلك بخلاف علي، فإنه لم يسجد لصنم قط. قلت له: فيلزم أن يسمي كل من أسلم من الصحابة ظالما، كسلمان، وأبي ذر، وابن مسعود، وحذيفة، وعمار. وهذا ما لا يذهب إليه أحد، فلم يحر جوابا.
وقال الزمخشري: وقالوا في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه ولا شهادته، ولا تجب طاعته، ولا يقبل خبره، ولا يقدم للصلاة؟ وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة، كالدوانيقي وأشباهه. وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد، ابني عبد الله بن الحسين، حتى قتل فقال: ليتني مكان ابنك. وكان يقول في المتصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد، وأرادوني على عد آجره لما فعلت. وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماما قط. وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة، والإمام إنما هو لكف المظلمة؟ فإذا نصب من كان ظالما في نفسه، فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب فقد ظلم. انتهى كلامه. وزيد بن علي الذي ذكره، هو زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وهو أخو محمد الباقر بن علي، وإليه تنتسب الزيدية اليوم. وكان من أهل العلم والفقه والفهم في القرآن والشجاعة، وإنما ذكره الزمخشري، لأنه كان بمكة مجاورا للزيدية ومصاحبا لهم، وصنف كتابه الكشاف لأجلهم. واللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة، الذي ذكره الزمخشري، هو هشام بن عبد الملك، خرج عليه زيد بن علي، وكان قد قال لأخيه الباقر: ما لك لا تقوم وتدعو الناس إلى القيام معك؟ فأعرض عنه وقال له: لهذا وقت لا يتعداه. فدعا إلى نفسه وقال: إنما الإمام منا من أظهر سيفه وقام بطلب حق آل محمد، لا من أرخى عليه ستوره وجلس في بيته. فقال له الباقر: يا زيد إن مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديهم، مثل فرخ نهض من عشه من قبل أن يستوي جناحاه. فإذا فعل ذلك سقط، فأخذه الصبيان يتلاعبون به. فاتق الله في نفسك أن لا تكون المصلوب غدا بالكناسة. فلم يلتفت زيد لكلام الباقر، وخرج على هشام، فظفر به وصلبه على كناسة الكوفة، وأحرقه بالنار، وكان كما حذره الباقر . وأما الدوانيقي، فهو المنصور أخو السفاح، سمي بذلك قيل لبخله. وقد ذكر بعض المصنفين أنه لم يكن بخيلا، وذكر من عطائه وكرمه أخبارا كثيرة. وأما إبراهيم ومحمد، اللذان ذكرهما الزمخشري، فهما ابنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، كانا قد