وعدل إلى فعيل للمبالغة، لأن فعيلا من صفات السجايا، والعدل في بشير للمبالغة، مقيس عند سيبويه، إذا جعلناه من بشر لأنهم قالوا بشر مخففا، وليس مقيسا في نذير لأنه من أنذر، ولعل محسن العدل فيه كونه معطوفا على ما يجوز ذلك فيه، لأنه قد يسوغ في الكلمة مع الاجتماع مع ما يقابلها ما لا يسوغ فيها لو انفردت، كما قالوا: أخذه ما قدم وما حدث وشبهة.
* (ولا تسئل عن أصحاب الجحيم) *: قراءة الجمهور: بضم التاء واللام. وقرأ أبي: وما تسأل. وقرأ ابن مسعود: ولن تسأل، وهذا كله خبر. فالقراءة الأولى، وقراءة أبي يحتمل أن تكون الجملة مستأنفة، وهو الأظهر، ويحتمل أن تكون في موضع الحال. وأما قراءة ابن مسعود فيتعين فيها الاستئناف، والمعنى على الاستئناف أنك لا تسأل عن الكفار ما لهم لم يؤمنوا، لأن ذلك ليس إليك، * (إن عليك إلا البلاغ) *، * (إنك لا تهدى من أحببت) *، * (إنما أنت منذر) *. وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم)، وتخفيف ما كان يجده من عنادهم، فكأنه قيل: لست مسؤولا عنهم، فلا يحزنك كفرهم. وفي ذلك دليل على أن أحدا لا يسأل عن ذنب أحد، * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *. وأما الحال فعطف على ما قبلها من الحال، أي وغير مسؤول عن الكفار ما لهم لا يؤمنون، فيكون قيدا في الإرسال، بخلاف الاستئناف. وقرأ نافع ويعقوب: ولا تسأل، بفتح التاء وجزم اللام، وذلك على النهي، وظاهره: أنه نهى حقيقة، نهى صلى الله عليه وسلم) أن يسأل عن أحوال الكفار. قال محمد بن كعب القرظي: قال النبي صلى الله عليه وسلم): (ليت شعري ما فعل أبواي)، فنزلت، واستبعد في المنتخب هذا، لأنه عالم بما آل إليه أمرهما. وقد ذكر عياض أنهما أحييا له فأسلما. وقد صح أن الله أذن له في زيارتهما، واستبعد أيضا ذلك، لأن سياق الكلام يدل على أن ذلك عائد على اليهود والنصارى ومشركي العرب، الذين جحدوا نبوته، وكفروا عنادا، وأصروا على كفرهم. وكذلك جاء بعده: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) * إلا إن كان ذلك على سبيل الانقطاع من الكلام الأول، ويكون من تلوين الخطاب وهو بعيد. وقيل: يحتمل أن لا يكون نهيا حقيقة، بل جاء ذلك على سبيل تعظيم ما وقع فيه أهل الكفر من العذاب، كما تقول: كيف حال فلان، إذا كان قد وقع في بلية، فيقال لك: لا تسأل عنه. ووجه التعظيم: أن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما ذلك الشخص فيه لفظاعته، فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره، أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره لإيحاشه السامع وإضجاره، فلا تسأل، فيكون معنى التعظيم: إما بالنسبة إلى المجيب، وإما بالنسبة إلى المجاب، ولا يراد بذلك حقيقة النهي.
* (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) *: روي أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) الهدنة، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم، فأطلعه الله على سر خداعهم، فنزلت نفي الله رضاهم عنه إلا بمتابعة دينهم، وذلك بيان أنهم أصحاب الجحيم الذين هم أصحابها، لا يطمع في إسلامهم. والظاهر أن قوله تعالى: * (ولن ترضى) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم)، علق رضاهم عنه بأمر مستحيل الوقوع منه صلى الله عليه وسلم)، وهو اتباع ملتهم. والمعلق بالمستحيل مستحيل، سواء فسرنا الملة بالشريعة، أو فسرناها بالقبلة، أو فسرناها بالقرآن. وقيل: هو خطاب له، وهو تأديب لأمته، فإنهم يعلمون قدره عند ربه، وإنما ذلك ليتأدب به المؤمنون، فلا يوالون الكافرين، فإنهم لا يرضيهم منهم إلا اتباع دينهم. وقيل: هو خطاب له، والمراد أمته، لأن المخاطب لا يمكن ما خوطب به أن يقع منه، فيصرف ذلك إلى من يمكن ذلك منه، مثل قوله: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) *، ويكون تنبيها من الله على أن اليهود والنصارى يخادعونكم بما يظهرون من الميل وطلب المهادنة والوعد بالموافقة، ولا يقع رضاهم إلا باتباع ملتهم. ووحدت الملة، وإن كان لهم ملتان، لأنهما يجمعهما الكفر، فهي واحدة بهذا الاعتبار، أو للإيجاز فيكون من باب الجمع في الضمير، نظير: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) *، لأن المعلوم أن النصارى لن ترضى حتى تتبع ملتهم، واليهود لن ترضى حتى تتبع ملتهم. وقد اختلف العلماء في الكفر، أهو ملة واحدة أو ملل؟ وثمرة الخلاف تظهر في الارتداد من ملة إلى ملة، وفي