أي جاه وشرف. والتقدير: فثم جلال الله وعظمته، قاله أبو منصور في المقنع. وحيث جاء الوجه مضافا إلى الله تعالى، فله محمل في لسان العرب، إذ هو لفظ يطلق على معان، ويستحيل أن يحمل على العضو، وإن كان ذلك أشهر فيه. وقد ذهب بعض الناس إلى أن تلك صفة ثابتة لله بالسمع، زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى. وضعف أبو العالية وغيره هذا القول، لأن فيه الجزم بإثبات صفة لله تعالى بلفظ محتمل، وهي صفة لا يدرى ما هي، ولا يعقل معناها في اللسان العربي، فوجب إطراح هذا القول والاعتماد على ما له محمل في لسان العرب. إذا كان للفظ دلالة على التجسيم فنحمله، إما على ما يسوغ فيه من الحقيقة التي يصح نسبتها إلى الله تعالى إن كان اللفظ مشتركا، أو من المجاز إن كان اللفظ غير مشترك. والمجاز في كلام العرب أكثر من رمل يبرين ونهر فلسطين.
فالوقوف مع ظاهر اللفظ الدال على التجسيم غباوة وجهل بلسان العرب وأنحائها ومتصرفاتها في كلامها، وحجج العقول التي مرجع حمل الألفاظ المشكلة إليها. ونعوذ بالله أن نكون كالكرامية، ومن سلك مسلكهم في إثبات التجسيم ونسبة الأعضاء لله، تعالى الله عما يقول المفترون علوا كبيرا. وفي قوله: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * رد على من يقول: إنه في حيز وجهة، لأنه لما خير في استقبال جميع الجهات دل على أنه ليس في جهة ولا حيز، ولو كان في حيز لكان استقباله والتوجه إليه أحق من جميع الأماكن. فحيث لم يخصص مكانا، علمنا أنه لا في جهة ولا حيز، بل جميع الجهات في ملكه وتحت ملكه، فأي جهة توجهنا إليه فيها على وجه الخضوع كنا معظمين له ممتثلين لأمره.
* (إن الله واسع عليم) *: وصف تعالى نفسه بصفة الواسع، فقيل ذلك لسعة مغفرته. وجاء: * (إن ربك واسع المغفرة) *، وهو معنى قول الكلبي: لا يتعاظمه ذنب. وقيل: واسع العطاء، وهو معنى قول أبي عبيدة: غني، ومعنى قول الفراء: جواد. وقيل: معناه عالم، من قوله: * (وسع كرسيه السماوات والارض) *، على أحد التفاسير، وجمع بينه وبين عليم على سبيل التأكيد. وقيل: واسع القدرة. وقيل: معناه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر. عليم: أي بمصالحهم أو بنيات القلوب التي هي ملاك العمل، وإن اختلفت ظواهرها في قبلة وغيرها. وهذه التفاسير على قول من قال: إن الآية نزلت في أمر القبلة. وقال القفال: ليس فيها ذكر القبلة والصلاة، وإنما أخبرهم تعالى عن علمه بهم، وطوق سلطانه إياهم حيث كانوا، كقوله تعالى: * (إن استطعتم) *، الآية، وقوله: * (ما يكون من نجوى) * الآية، ويكون في هذا تهديد لمن منع مساجد الله من الذكر، وسعى في خرابها، أنه لا مهرب له من الله ولا مفر، كما قال تعالى: * (أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر) *، وكما قال:
* فإنك كالليل الذي هو مدركي * وإن خلت أن المنتأى عنك واسع * وقال:
* ولم يكن المغتر بالله إذ سرى * ليعجز والمغتر بالله طالبه * وقال:
* أين المفر ولا مفر لهارب * وله البسيطان الثرى والماء * وعلى هذا المعنى يكون الخطاب عاما مندرج فيه من منع المساجد من الذكر وغيره. وجاءت هذه الجملة مؤكدة بأن مصرحا باسم الله فيها دالة على الاستقلال. وقد قدمنا ذلك في قوله: * (تجدوه عند الله) *، وكقوله: * (واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) *، وذلك أفخم وأجزل من الضمير، لأن الضمير يشعر بقوة التعلق والظاهر يشعر بالاستقلال. ألا ترى أنه يصح الابتداء به، وإن لم يلحظ ما قبله؟ بخلاف الضمير، فإنه رابط