القرآن لجاز حذفها. ولم تأت في قوله: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) * لمعنى يذكر هناك، إن شاء الله تعالى.
* (أن ينزل عليكم) *: في موضع المفعول بيود، وبناؤه للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وللتصريح به في قوله: * (من ربكم) *. ولو بني للفاعل لم يظهر في قوله: * (من ربكم) *. * (من خير) *، من: زائدة، والتقدير: خير من ربكم، وحسن زيادتها هنا، وإن كان ينزل لم يباشره حرف النفي، فليس نظير: ما يكرم من رجل، لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى، لأنه إذا نفيت الودادة، كان كأنه نفى متعلقها، وهو الإنزال، وله نظائر في لسان العرب، من ذلك قوله تعالى: * (أو لم * يروا أن الله الذى خلق * السماوات والارض * ولم يعى بخلقهن بقادر) *. فلما تقدم النفي حسن دخول الباء، وكذلك قول العرب: ما ظننت أحدا يقول ذلك إلا زيد، بالرفع على البدل من الضمير المستكن في يقول، وإن لم يباشره حرف النفي، لأن المعنى: ما يقول ذلك أحد إلا زيد، فيما أظن. وهذا التخريج هو على قول سيبويه والخليل. وأما على مذهب الأخفش والكوفيين في هذا المكان، فيجوز زيادتها، لأنهم لا يشترطون انتفاء الحكم عما تدخل عليه، بل يجيزون زيادتها في الواجب وغيره. ويزيد الأخفش: أنه يجيز زيادتها في المعرفة. وذهب قوم إلى أن من للتبعيض، ويكون على هذا المفعول الذي لم يسم فاعله هو عليكم، ويكون المعنى: أن ينزل عليكم بخير من الخير من ربكم.
* (من ربكم) *: من: لابتداء الغاية، كما تقول: هذا الخير من زيد. ويجوز أن تكون للتبعيض. المعنى من خير كائن من خيور ربكم، فإذا كانت لابتداء الغاية تعلقت بقوله: ينزل، وإذا كانت للتبعيض تعلقت بمحذوف، وكان ذلك على حذف مضاف، كما قدرناه. والخير هنا: القرآن، أو الوحي، إذ يجمع القرآن وغيره، أو ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم) من التعظيم؛ أو الحكمة والقرآن والظفر؛ أو النبوة الإسلام، أو العلم والفقه والحكمة؛ أو هنا عام في جميع أنواع الخير، فهم يودون انتفاء ذلك عن المؤمنين، سبعة أقوال، أظهرها الآخر. وسبب عدم ودهم ذلك: أما في اليهود، فلكون النبوة كانت في بني إسماعيل، ولخوفهم على رئاستهم، وأما النصارى، فلتكذيبهم في ادعائهم ألوهية عيسى، وأنه ابن الله، ولخوفهم على رئاستهم، وأما المشركون، فلسب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، ولحسدهم أن يكون رجل منهم يختص بالرسالة، واتباع الناس له.
* (والله يختص برحمته من يشاء) *: أي يفرد بها، وضد الاختصاص: الاشتراك. ويحتمل أن يكون يختص هنا لازما، أي ينفرد، أو متعديا، أي يفرد، إذ الفعل يأتي كذلك. يقال: اختص زيد بكذا، واختصصته به، ولا يتعين هنا تعديه، كما ذكر بعضهم، إذ يصح، والله يفرد برحمته من يشاء، فيكون من فاعلة، وهو افتعل من: خصصت زيدا بكذا. فإذا كان لازما، كان لفعل الفاعل بنفسه نحو: اضطررت، وإذا كان متعديا، كان موافقا لفعل المجرد نحو: كسب زيد مالا، واكتسب زيد مالا. والرحمة هنا عامة بجميع أنواعها؛ أو النبوة والحكمة والنصرة، اختص بها محمد صلى الله عليه وسلم)، قاله علي والباقر ومجاهد والزجاج؛ أو الإسلام، قاله ابن عباس؛ أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم)، * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) *، هو نبي الرحمة، أقوال خمسة، أظهرها الأول.
* (والله ذو الفضل العظيم) *: قد تقدم أن ذو بمعنى صاحب. وذكر جملة من أحكام ذو، والوصف بذو، أشرف عندهم من الوصف بصاحب، لأنهم ذكروا أن ذو أبدا لا تكون إلا مضافة لاسم، فمدلولها أشرف. ولذلك جاء ذو رعين، وذو يزن، وذو الكلاع، ولم يسمعوا بصاحب رعين، ولا صاحب يزن ونحوها. وامتنع أن يقول في صحابي أبي سعيد أو جابر: ذو رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وجاز أن يقول: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم). ولذلك وصف الله تعالى نفسه بقوله: * (ذو الجلال) *، * (ذو الفضل) *، وسيأتي الفرق بين قوله تعالى: * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) *، وقوله تعالى: * (ولا تكن كصاحب الحوت) *، إن شاء الله تعالى. وتقدم تفسير * (الفضل العظيم) *، ويجوز أن يراد به هنا: جميع أنواع التفضلات، فتكون أل للاستغراق، وعظمه من جهة سعته وكثرته، أو فضل النبوة. وقد وصف تعالى ذلك بالعظم في قوله: * (وكان فضل الله عليك عظيما) *، أو الشريعة، فعظمها من جهة بيان أحكامها، من حلال، وحرام، ومندوب، ومكروه، ومباح؛ أو الثواب والجزاء، فعظمه من جهة السعة والكثرة