قال ابن عطية: وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضاد المقبح لفعلهم في الإخراج، يعني: أنه لا يناسب من أسأتم إليه بالإخراج من ديارهم أن تحسنوا إليهم بالفداء، ومعنى تفادوهم: تفدوهم، إذ المفاعلة تكون من اثنين، ومن واحد. ففاعل بمعنى: فعل المجرد، وهو أحد معانيها. وقيل: معنى فادى: بادل أسيرا بأسير، ومعنى فدى: دفع الفداء، ويشهد للأول قول العباس: فاديت نفسي وفاديت عقيلا. ومعلوم أنه ما بادل أسيرا بأسير. وقيل: معنى تفدوهم بالصلح، وتفادوهم بالعنف. وقيل تفادوهم: تطلبوا الفدية من الأسير الذي في أيديكم من أعدائكم، ومنه قوله:
* قفي فادي أسيرك إن قومي * وقومك ما أرى لهم اجتماعا * وتفدوهم: تعطوا فديتهم. وقال أبو علي معنى تفادوهم في اللغة، تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنه شيئا. وفاديت نفسي: أي أطلقتها بعد أن دفعت شيئا. وفادى وفدى يتعديان إلى مفعولين، الثاني بحرف جر، وهو هنا به محذوف. * (وهو محرم عليكم إخراجهم) *: تقدمت أربعة أشياء: قتل النفس، والإخراج من الديار، والتظاهر، والمفاداة، وهي محرمة. واختص هذا القسم بتأكيد التحريم، وإن كانت كلها محرمة، لما في الإخراج من الديار من معرة الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره إلا بالموت، وذلك بخلاف القتل، لأن القتل، وإن كان من حيث هو هدم البنية، أعظم، لكن فيه انقطاع الشر، وبخلاف المفاداة بها، فإنها من جريرة الإخراج من الديار والتظاهر، لأنه لولا الإخراج من الديار والتظاهر عليهم، ما وقعوا في قيد الأسر. وقد يكون أيضا مما حذف فيه من كل جملة ذكر التحريم، ويكون التقدير: تقتلون أنفسكم، وهو محرم عليكم، وكذا باقيها. وارتفاع هو على الابتداء، وهو إما ضمير الشأن، والجملة بعده خبر عنه، وإعرابها أن يكون إخراجهم مبتدأ ومحرم خبرا، وفيه ضمير عائد على الإخراج، إذ النية به التأخير. ولا يجيز الكوفيون تقديم الخبر إذا كان متحملا ضميرا مرفوعا. فلا يجيزون: قائم زيد، على أن يكون قائم خبرا مقدما، فلذلك عدلوا إلى أن يكون خبر هو قوله محرم، وإخراجهم مرفوع به مفعولا لم يسم فاعله، وتبعهم على هذا المهدوي. ولا يجيز هذا الوجه البصريون، لأن عندهم أن ضمير الشأن لا يخبر عنه إلا بجملة مصرح بجزأيها، وإذا جعلت قوله محرم خبرا عن هو، وإخراجهم مرفوعا به، لزم أن يكون قد فسر ضمير الشأن بغير جملة. وهو لا يجوز عند البصريين كما ذكرنا. وأجازوا أيضا أن يكون هو مبتدأ، ليس ضمير الشأن، بل هو عائد على الإخراج، ومحرم خبر عنه، وإخراجهم بدل. وهذا فيه خلاف. منهم من أجاز أن يفسر المضمر الذي لم يسبق له ما يعود عليه بالبدل، ومنهم من منع. وأجازه الكسائي، وفي بعض النقول. وأجاز الكوفيون أن يكون هو عمادا، وهو الذي يعبر عنه البصريون بالفصل، وقد تقدم مع الخبر. والتقدير: وإخراجهم هو محرم عليكم، فلما قدم خبر المبتدأ على المبتدأ، أقدم معه الفصل. قال الفراء: لأن الواو ها هنا تطلب الاسم، وكل موضع تطلب فيه الاسم، فالعماد فيه جائز. ولا يجوز هذا التخريج عند البصريين، لأن فيه أمرين لا يجوزان عندهم: أحدهما: وقوع الفصل بين معرفة ونكرة لا تقارب المعرفة، إذ التقدير: وإخراجهم هو محرم، فمحرم نكرة لا تقارب المعرفة. الثاني: أن فيه تقديم الفصل، وشرطه عند البصريين أن يكون متوسطا بين المبتدأ والخبر، أو بين ما هما أصله، وهذه كلها مسائل تحقق في علم النحو.
ووقع في كتاب ابن عطية في هذا المكان أقوال تنتقد، وهو أنه قال: قيل في هو إنه ضمير الأمر، تقديره: والأمر محرم عليكم، وإخراجهم في هذا القول بدل من هو. انتهى ما نقله في هذا القول، وهذا خطأ من وجهين. أحدهما؛ أنه أخبر عن ضمير الأمر بمفرد، ولا يجيز ذلك بصري ولا كوفي. أما البصري، فلأن مفسر ضمير الأمر لا بد أن يكون جملة، وأما الكوفي، فلأنه يجيز الجملة ويجيز المفرد، إذا كان قد انتظم منه ومما بعده مسند ومسند إليه في المعنى، نحو قولك: ظننته قائما الزيدان. والثاني: أنه جعل إخراجهم بدلا من ضمير الأمر، وضمير الأمر لا يعطف عليه، ولا يبدل منه، ولا يؤكد. قال ابن عطية: وقيل هو فاصلة، وهذا مذهب الكوفي، وليست هنا بالتي هي عماد، ومحرم على هذا ابتداء،