وإنما جعلت عوانا لأنه أكمل أحوالها، فالصغيرة ناقصة لتجاوزها حالته. * (فافعلوا ما تؤمرون) *: أي من ذبح البقرة، ولا تكرروا السؤال، ولا تعنتوا في أمر ما أمرتم بذبحه. ويحتمل أن تكون هذه الجملة من قول الله، ويحتمل أن تكون من قول موسى، وهو الأظهر. حرضهم على امتثال ما أمروا به، شفقة منه. وما موصولة، والعائد محذوف تقديره: ما تؤمرونه، وحذف الفاعل للعلم به، إذ تقدم أن الله يأمركم، ولتناسب أواخر الآي، كما قصد تناسب الإعراب في أواخر الأبيات في قوله:
ولا بد يوما أن ترد الودائع إذ آخر البيت الذي قبل هذا قوله:
وما يدرون أين المصارع وأجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية، أي: فافعلوا أمركم، ويكون المصدر بمعنى المفعول، أي مأموركم، وفيه بعد * (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) * لما تعرفوا سن هذه، شرعوا في تعرف لونها، وذلك كله يدل على نقص فطرهم وعقولهم، إذ قد تقدم أمر الله لهم بذبح بقرة، وأمر المبلغ عن الله، الناصح لهم، المشفق عليهم، بقوله: * (فافعلوا ما تؤمرون) *، ومع ذلك لم يرتدعوا عن السؤال عن لونها، والقول في: * (ادع لنا ربك) *، وفي جزم: * (يبين) *، وفي الجملة المستفهم بها والمحذوف بعده سبق نظيره في الآية قبله، فأغنى عن ذكره. * (قال إنه يقول إنها بقرة صفراء) *: قال الجمهور: هو اللون المعروف: ولذلك أكد بالفقوع والسرور، فهي صفراء حتى القرن والظلف، وقال الحسن وأبو عبيدة: عنى به هنا السواد، قال الشاعر:
* وصفراء ليست بمصفرة * ولكن سوداء مثل الحمم * وقال سعيد بن جبير: صفراء القرن والظلف خاصة. * (فاقع) *: أي شديد الصفرة، قاله ابن عباس والحسن؛ أو الخالص الصفرة، قاله قطرب، أو الصافي، قاله أبو العالية وقتادة. * (لونها) *: ذكروا في إعرابه وجوها: أحدها: أنا فاعل مرفوع بفاقع، وفاقع صفة للبقرة. الثاني: أنه مبتدأ وخبره فاقع. والثالث: أنه مبتدأ، و * (تسر الناظرين) * خبر. وأنث على أحد معنيين: أحدهما: لكونه أضيف إلى مؤنث، كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه. والثاني: أنه يراد به المؤنث، إذ هو الصفرة، فكأنه قال: صفرتها تسر الناظرين، فحمل على المعنى كقولهم: جاءته كتابي فاحتقرها، على معنى الصحيفة والوجه الإعراب الأول، لأن إعراب لونها مبتدأ، وفاقع خبر مقدم لا يجيزه الكوفيون، أو تسر الناظرين خبره، فيه تأنيث الخبر، ويحتاج إلى تأويل، كما قررناه. وكون لونها فاعلا بفاقع جار على نظم الكلام، ولا يحتاج إلى تقديم، ولا تأخير، ولا تأويل، ولم يؤنث فاقعا وإن كان صفة لمؤنث، لأنه رفع السبي، وهو مذكر فصار نحو: جاءتني امرأة حسن أبوها، ولا يصح هنا أن يكون تابعا لصفراء على سبيل التوكيد، لأنه يلزم المطابقة، إذ ذاك للمتبوع. ألا ترى أنك تقول أسود حالك، وسوداء حالكة، ولا يجوز سوداء حالك؟ فأما قوله:
* وإني لأسقي الشرب صفراء فاقعا * كأن ذكي المسك فيها يفتق * فبابه الشعر، إذا كان وجه الكلام صفراء فاقعة، وجاء * (صفراء فاقع لونها) *، ولم يكتف بقوله: صفراء فاقعة، لأنه أراد تأكيد