تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٩٩
نحو: رفوت، والجيد: رفأت، ولم أسمع: رفيت. انتهى كلام الأخفش. ودل ذلك على أنه ليس من ضرائر الشعر، كما ذكر أبو الفتح، وهو قوله تعالى: * (أنبئهم بأسمائهم) *. وقوله: * (فلما أنبأهم بأسمائهم) *: جملة محذوفة، التقدير: فأنبئهم بها، فلما أنبأهم حذفت لفهم المعنى، وفي قوله: أنبئوني، فلما أنبأهم تنبيه على إعلام الله أنه قد أعلم الله أنه قد أعلم آدم من أحوالهم ما لم يعلمهم من حاله، لأنهم رأوه قبل النفخ مصورا، فلم يعلموا ما هو، وعلى أنه رفع درجة آدم عندهم، لكونه قد علم لآدم ما لم يعلمهم، وعلى إقامته مقام المفيد المعلم، وإقامتهم مقام المستفيدين منه، لأنه أمره أن يعلمهم أسماء الذين عرضهم عليهم وعلى أدبهم على ترك الأدب من حيث قالوا: * (أتجعل فيها) *، فإن الطواعية المحضة ويكونوا مع عدم العلم بالحكمة فيما أمروا به، وعدم الاطلاع على ذلك الأمر ومصلحته ومفسدته كهم مع العلم والاطلاع. وكان الامتثال والتسليم، بغير تعجب ولا استفهام، أليق بمقامهم لطهارة ذواتهم وكمال صفاتهم.
وفي كتاب بعض من عاصرناه، قالت المعتزلة: ظهر من آدم عليه السلام في علمه بالأسماء معجزة دالة على نبوته في ذلك الوقت، والأقرب أنه كان مبعوثا إلى حواء، ولا يبعد أن يكون أيضا مبعوثا إلى من توجه التحدي إليهم من الملائكة، لأن جميعهم، وإن كانوا رسلا، فقد يجوز الإرسال إلى الرسول، كبعثه إبراهيم عليه السلام إلى لوط عليه السلام، واحتجوا بكونه ناقضا للعادة. ولقائل أن يقول: حصول العلم باللغة لمن علمه الله وعدم حصوله لمن لم يعلم ليس بناقض للعادة. وأيضا، فالملائكة أما إن علموا وضع تلك الأسماء للمسميات فلا مزية أو لا، فكيف علموا إصابته في ذلك؟ والجواب من وجهين: أحدهما: أنه ربما يكون لكل صنف منهم لغة، ثم حضر جميعهم فعرف كل صنف إصابته في تلك اللغة، إلا أنهم بأسرهم عجزوا عن معرفتها بأسرها. الثاني: أن الله عرفهم الدليل على صدقه، ولم لا يكون من باب الكرامات أو من باب الإرهاص؟ واحتج من قال: لم يكن نبيا، بوجوه: أحدها: صدور المعصية عنه بعد، وذلك غير جائز على النبي. وثانيها: أنه لو كان مبعوثا لكان إلى أحد، لأن المقصود منه التبليغ، وذلك لا يكون الملائكة، لأنهم أفضل، ولا حواء، لأنها مخاطبة بلا واسطة بقوله: * (ولا تقربا) *، ولا الجن، لأنهم لم يكونوا في السماء. وثالثها: قوله: * (ثم اجتباه) *، وهذا يدل على أن الاجتباء كان بعد الزلة، والنبي لا بد أن يكون مجتبى وقت كونه نبيا.
* (قال ألم أقل لكم) *؛ جواب فلما، وقد تقدم ذكر الخلاف في لما المقتضية للجواب، أي حرف أم ظرف؟ ورجحنا الأول وذكرنا أنه مذهب سيبويه. وألم: أقل تقرير، لأن الهمزة إذا دخلت على النفي كان الكلام في كثير من المواضع تقريرا نحو قوله تعالى: * (ألست بربكم) *؟ * (ألم نشرح لك صدرك) *؟ * (ألم نربك فينا وليدا) *؟ ولذلك جاز العطف على جملة إثباتية نحو: ووضعنا، ولبثت، ولكم فيه، تنبيههم بالخطاب وهزهم لسماع المقول، نحو قوله: * (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا) * نبهه في الثانية بالخطاب. وقد تقدم أن اللام في نحو: قلت لك، أو لزيد، للتبليغ، وهو أحد المعاني التي ذكرناها فيها. * (إني أعلم) *: ياء المتكلم المتحرك ما قبلها، إذا لقيت همزة القطع المفتوحة، جاز فيها وجهان: التحريك والإسكان، وقرئ بالوجهين في السبعة، على اختلاف بينهم في بعض ذلك، وتفصيل ذلك مذكور في كتب القراءات. وسكنوا في السبعة إجماعا تفتني إلا، * (أرنى أنظر) *، * (فاتبعنى أهدك) * * (وترحمنى أكن) *، ولا يظهر بشيء من اختلافهم واتفاقهم علة إلا اتباع الرواية. والخلاف الذي تقدم في أعلم من كونه منصوبا أو مجرورا جاز هنا، وقد تقدم إيضاحه هناك فلا نعيده هنا.
وقد حكى ابن عطية عن المهدوي ما نصه: قال المهدوي: ويجوز أن يكون قوله: أعلم اسما بمعنى التفضيل
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»