تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٩٦
سبحانه. عرضهم خلقهم وعرضهم عليهم، قاله ابن مسعود، أو صورهم لقلوب الملائكة، أو عرضهم وهم كالذر، أو عرض الأسماء، قاله ابن عباس، وفيه جمعها بلفظة هم. والظاهر أن ضمير النصب في عرضهم يعود على المسميات، وظاهره أنه للعقلاء، فيكون إذ ذاك المعنى بالأسماء أسماء العاقلين، أو يكون فيهم غير العقلاء، وغلب العقلاء. وقرأ أبي ثم عرضها. وقرأ عبد الله ثم عرضهن، والضمير عائد على الأسماء، فتكون هي المعروضة، أو يكون التقدير مسمياتها، فيكون المعروض المسميات لا الأسماء. * (على الملائكة) *: ظاهره العموم، فقيل: هو مراد، وقيل: الملائكة الذين كانوا مع إبليس في الأرض. * (فقال) *: الفاء: للتعقيب، ولم يتخلل بين العرض والأمر مهلة بحيث يقع فيها ترو أو فكر، وذلك أجدر بعدم الإضافة. * (أنبئونى) *: أمر تعجيز لا تكليف. وقرأ الأعمش: أنبوني، بغير همز، وقد استدل بقوله: أنبئوني على جواز تكليف ما لا يطاق، وهو استدلال ضعيف، لأنه على سبيل التبكيت، ويدل عليه: * (إن كنتم صادقين) *. * (بأسماء هؤلاء) *: ظاهره حضور أشخاص حالة العرض على الملائكة، ومن قال: إن المعروض إنما هي أسماء فقط، جعل الإشارة إلى أشخاص الأسماء وهي غائبة، إذ قد حضر ما هو منها بسبب وذلك أسماؤها وكأنه قال لهم: في كل اسم لأي شخص هذا الاسم، وهذا فيه بعد وتكلف وخروج عن الظاهر بغير داعية إلى ذلك.
* (إن كنتم صادقين) *: شرط جوابه محذوف تقديره فأنبئوني يدل عليه أنبئوني السابق، ولا يكون أنبؤني السابق هو الجواب، هذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وخالف الكوفيون وأبو زيد وأبو العباس، فزعموا أن جواب الشرط هو المتقدم في نحو هذه المسألة، هذا هو النقل المحقق، وقد وهم المهدوي، وتبعه ابن عطية، فزعما أن جواب الشرط محذوف عند المبرد، التقدير: فأنبئوني، إلا إن كانا اطلعا على نقل آخر غريب عن المبرد يخالف مشهور ما حكاه الناس، فيحتمل. وكذلك وهم ابن عطية وغيره، فزعما أن مذهب سيبويه تقديم الجواب على الشرط، وأن قوله: أنبئوني المتقدم هو الجواب. والصدق هنا هو الصواب، أي إن كنتم مصيبين، كما يطلق الكذب على الخطأ، كذلك يطلق الصدق على الصواب. ومتعلق الصدق فيه أقوال: * (إن كنتم صادقين) *، إني لا أخلق خلقا، لا كنتم أعلم منه، لأنه هجس في أنفسهم أنهم أعلم من غيرهم، أو فيما زعمتم أن خلفائي يفسدون في الأرض، أو فيما وقع في نفوسكم أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أفضل منه، أو بأمور من أستخلفهم بعدكم، أو إني إن استخلفتكم فيها سبحتموني وقدستموني، وإن استخلفت غيركم فيها عصاني، أو في قولكم: إنه لا شيء مما يتعبد به الخلق إلا وأنتم تصلحون له وتقومون به، قاله ابن مسعود وابن عباس، أو في ذلك أنباء، وجواب السؤال بالأسماء، * (* روي) * أن: الملائكة حين خلق الله آدم قالت: يخلق ربنا ما شاء، فلن يخلق خلقا أعلم منا ولا أكرم عليه. فأراد أن يريهم من علم آدم وكرامته خلاف ما ظنوا، قالوا: ولقوله إن كنتم صادقين، لم يجز لهم الاجتهاد، إذ لو لم يقيد بالصدق، وهو الإصابة، لجاز الاجتهاد، كما جاز للذي قال له: كم لبثت؟ ولم يشرط عليه الإصابة فلم يصب ولم يعنف. وأبعد من ذهب إلى أن الصدق هنا ضد الكذب المتعارف لعصمة الملائكة، كما أبعد من جعل إن بمعنى إذ، فأخرجها عن الشرطية إلى الظرفية. وإذا التقت همزتان مكسورتان من كلمتين نحو: هؤلاء إن كنتم، فورش وقنبل يبدلان الثانية ياء ممدودة، إلا أن ورشا في: هؤلاء إن كنتم، وعلى البغاء إن أردن، يجعل الياء مكسورة، وقالون والبزي يلينان الأولى ويحققان الثانية، وعنهما في بالسوء إلا وجوه: أحدها: هذا الأصل الذي تقرر لهما.
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»