تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٠١
كما سجدت نصرانة لم تحنف وقال آخر:
سجود النصارى لأحبارها يريد الإنحناء.
إبليس: اسم أعجمي منع الصرف للعجمة والعلمية، قال الزجاج: ووزنه فعليل، وأبعد أبو عبيدة وغيره في زعمه أنه مشتق من الإبلاس، وهو الإبعاد من الخير، ووزنه على هذا، فعيل، لأنه قد تقرر في علم التصريف أن الاشتقاق العربي لا يدخل في الأسماء الأعجمية، واعتذر من قال بالاشتقاق فيه عن منع الصرف بأنه لا نظير له في الأسماء، ورد بإغريض، وإزميل، وإخريط، وإجفيل، وإعليط، وإصليت، وإحليل، وإكليل، وإحريض. وقد قيل: شبه بالأسماء الأعجمية، فامتنع الصرف للعلمية، وشبه العجمة، وشبه العجمة هو أنه وإن كان مشتقا من الإبلاس فإنه لم يسم به أحد من العرب، فصار خاصا بمن أطلقه الله عليه، فكأنه دليل في لسانهم، وهو علم مرتجل. وقد روي اشتقاقه من الإيلاس عن ابن عباس والسدي، وما إخاله يصح. الإباء: الامتناع، قال الشاعر:
* وأما أن تقولوا قد أبينا * فشر مواطن الحسب الإباء * والفعل منه: أبي يأبى، ولما جاء مضارعه على يفعل بفتح العين وليس بقياس أمرى، كأنه مضارع فعل بكسر العين، فقالوا فيه: يئبى بكسر حرف المضارعة، وقد سمع فيه أبي بكسر العين فيكون يأبى على هذه اللغة قياسا، ووافق من قال أبي بفتح العين على هذه اللغة. وقد زعم أبو القاسم السعدي أن أبى يأتي بفتح العين لا خلاف فيه، وليس بصحيح، فقد حكى أبى بكسر العين صاحب المحكم. وقد جاء يفعل في أربعة عشر فعلا وماضيها فعل، وليست عينه ولا لامه حرف حلق. وفي بعضها سمع أيضا فعل بكسر العين، وفي بعض مضارعها سمع أيضا يفعل ويفعل بكسر العين وضمها، ذكرها التصريفيون. الاستكبار والتكبر: وهو مما جاء فيه استفعل بمعنى تفعل، وهو أحد المعاني الإثنى عشر التي جاءت لها استفعل، وهي مذكورة في شرح نستعين.
* (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) * لم يؤثر فيها سبب نزول سمعي، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن الله تعالى لما شرف آدم بفضيلة العلم وجعله معلما للملائكة وهم مستفيدون منه مع قولهم السابق: * (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) *. أراد الله أن يكرم هذا الذي استخلفه بأن يسجد له ملائكته، ليظهر بذلك مزية العلم على مزية العبادة. قال الطبري: قصة إبليس تقريع لمن أشبهه من بني آدم، وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم)، مع علمهم بنبوته، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم. وإذ: ظرف كما سبق فقيل بزيادتها. وقيل: العامل فيها فعل مضمر يشيرون إلى ادكر. وقيل: هي معطوفة على ما قبلها، يعني قوله: * (وإذ قالت * ربك) *، ويضعف الأول بأن الأسماءلا تزاد، والثاني أنها لازم ظرفيتها، والثالث لاختلاف الزمانين فيستحيل وقوع العامل الذي اخترناه في إذ الأولى في إذ هذه. وقيل: العامل فيها أبى، ويحتمل عندي أن يكون العامل في إذ محذوف دل عليه قوله: * (فسجدوا) *، تقديره: انقادوا وأطاعوا، لأن السجود كان ناشئا عن الانقياد للأمر. وفي قوله: * (قلنا
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»