فإياه وإيا الشواب) ألوذ بجناب الرحمن وأقتصر على النظر في تفسير القرآن، فأتاح الله لي قبل بلوغ ذلك العقد، وبلغني ما كنت أروم من ذلك القصد، وذلك بانتصابي مدرسا في علم التفسير في قبة السلطان الملك المنصور قدس الله مرقده، وبل بمزن الرحمة معهده، وذلك في دولة ولده السلطان القاهر، الملك الناصر، الذي رد الله به الحق إلى أهله، وأسبغ على العالم وارف ظله، واستنقذ به الملك من غصابه، وأقره في منيف محله وشريف نصابه، وكان ذلك في أواخر سنة عشر وسبعمائة، وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري فعكفت على تصنيف هذا الكتاب، وانتخاب الصفو واللباب، أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم، وأنعم النظر فيما اقترحوه من تآليفهم، فألخص مطولها، وأحل مشكلها وأقيد مطلقها، وأفتح مغلها، وأجمع مبددها، وأخلص منقدها، وأضيف إلى ذلك ما استخرجته القوة المفكرة من لطائف علم البيان، المطلع على إعجاز القرآن، ومن دقائق علم الإعراب، المغرب في الوجوه أي إغراب، المقتنص في الأعمار الطويلة من لسان العرب، وبيان الأدب، فكم حوى من لطيفة فكري مستخرجها، ومن غريبة ذهني منتجها، تحصلت بالعكوف على علم العربية، والنظر في التراكيب النحوية، والتصرف في أساليب النظم والنثر، والتقلب في أفانين الخطب والشعر، لم يهتد إلى إثارتها ذهن، ولاصاب بريقها مزن، وأني ذلك وهي أزاهر خمائل غفل، ومناظر ما لمستغلق أبوابها من قفل، في إدراك مثلها تتفاوت الأفهام، وتتبارى الأوهام، وليس العلم على زمان مقصورا، ولا في أهل زمان محصورا، بل جعله الله حيث شاء من البلاد، وبثه في التهائم والنجاد، وأبرزه أنوارا تتوسم، وأزهارا تتنسم، وما زال المغربي الأندلسي، على بعده من مهبط الوحي النبوي، علماء بالعلوم الإسلامية وغيرها كملة، وفهماء تلاميذ لهم دراة نقلة، يروون فيروون ويسقون فيرتوون، وينشدون فينشدون، ويهدون فيهدون، هذا وإن اختلفوا في مدارك العلوم، وتباينوا في المفهوم، فكل منهم له مزية لا يجهل قدرها، وفضيلة لا يسر بدرها، ومما برعوا فيه علم الكتاب، انفردوا باقرائه مد أعصار دون غيرهم من ذوي الآداب، أثاروا كنوزه، وفكوا رموزه، وقربوا قاصيه، وراضوا عاصيه وفتحوا مقفله، وأوضحوا مشكلة، وأنهجوا شعابه، وذللوا صعابه، وأبدوا معانيه في صورة التمثيل، وأبدعوه بالتركيب والتحليل، فالكتاب هو
(١٠٠)