أحدهما: الحكم بالحق والعدل. الثاني: عمارة الأرض، يزرع ويحصد ويبني ويجري الأنهار. وقرأ زيد بن علي وأبو البرهسم عمران: خليقة، بالقاف ومعناه واضح.
وخطاب الله الملائكة بقوله: * (إني جاعل فى الارض خليفة) * أن كان للملائكة الذين حاربوا مع إبليس الجن، فيكون ذلك عاما بأنه رافعهم إلى السماء ومستخلف في الأرض آدم وذريته. وروي ما يدل على ذلك عن ابن عباس، وهو ما ملخصه: أن الله أسكن الملائكة السماء، والجن الأرض، فعبدوا دهرا طويلا ثم أفسدوا وحسدوا، فاقتتلوا، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة رأسهم إبليس، وكان أشدهم وأعلمهم، فهبطوا الأرض وطردوا الجن إلى شعف الجبال وبطون الأودية وجزائر البحور وسكنوها، وخفف عنهم العبادة، وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنة، فكان يعبد تارة في الأرض وتارة في الجنة، فدخله العجب وقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا إلا أني أكرم الملائكة عليه. فقال الله تعالى له ولجنوده: * (إني جاعل فى الارض خليفة) * بدلا منكم ورافعكم إلي، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة، وقالوا: * (أتجعل) * الآية. وإن كان الملائكة، جميع الملائكة. فسبب القول: إرادة الله أن يطلع الله الملائكة على ما في نفس إبليس من الكبر وأن يظهر ما سبق عليه في علمه.
روي عن ابن عباس، وعن السدي، عن أشياخه: وأن يبلو طاعة الملائكة، قاله الحسن، أو أن يظهر عجزهم عن الإحاطة بعلمه، أو أن يعظم آدم بذكر الخلافة قبل وجوده، ليكونوا مطمئنين له إذا وحدوا، أو أن يعلمهم بخلقه ليسكن الأرض وإن كان ابتداء خلقه في السماء، وأن يعلمنا أن نشاور ذوي الأحلام منا وأرباب المعرفة إذ استشار الملائكة اعتبارا لهم، مع علمه بحقائق الأشياء، أو أن يتجاوز الخطاب بما ذكر فيحصل منهم الاعتراف والرجوع عما كانوا يظنون من كمال العلم، أو أن يظهر علو قدر آدم في العلم بقوله لآدم: * (أنبئهم بأسمائهم) *، أو أن يعلمنا الأدب معه وامتثال الأمر، عقلنا معناه أو لم نعقله، لتحصل بذلك الطاعة المحضة أو أن تطمئن قلوب الملائكة حين خلق الله النار فخافت وسألت: لمن خلقت هذا؟ قال: لمن عصاني. إذ لم يعلموا وجود خلق سواهم، قاله ابن زيد. وقال بعض أهل الإشارة في قوله: * (إني جاعل فى الارض خليفة) *: سابق العناية، لا يؤثر فيه حدوث الجناية، ولا يحط عن رتبة الولاية، وذلك أنه تعالى نصب آدم خليفة عنه في أرضه مع علمه بما يحدث عنه من مخالفة أمره التي أوجبت له الإخراج من دار الكرامة وأهبطه إلى الأرض التي هي محل الأكدار، ومع ذلك لم يسلبه ما ألبسه من خلع كرامته، ولا حطه عن رتبة خلافته، بل أجزل له في العطية فقال: * (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) *، قال الشاعر:
* وإذا الحبيب أتى بذنب واحد * جاءت محاسنه بألف شفيع * كان عمر ينقل الطعام إلى الأصنام والله يحبه، قال الشاعر:
* أتظنني من زلة أتعتب * قلبي عليك أرق مما تحسب * ويقال إن الله سبحانه خلق ما خلق ولم يقل في شيء منها ما قال في حديث آدم، حيث قال: * (إني جاعل فى الارض خليفة) *. فظاهر هذا الخطاب تنبيه لشرف خلق الجنان وما فيها، والعرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء وكمال الصورة، ولم يقل: إني خالق عرشا أو جنة أو ملكا، وإنما قال ذلك تشريفا وتخصيصا لآدم. قالوا تقدم أن الاختيار في