* (ولهم فيها أزواج) * والأولى أن تكون هذه الجملة مستأنفة. كما اخترنا في قوله: * (كلما رزقوا) * لأن جعلها استئنافا يكون في ذلك اعتناء بالجملة، إذ سيقت كلاما تاما لا يحتاج إلى ارتباط صناعي، ومن جعلها صفة فقد سلك بها مسلك غير ما هو أصل للحمل. وارتفاع أزواج على الابتداء، وكونه لم يشرك في العامل في جنات يدل على ما قلناه من الاستئناف أيضا، وخبر أزواج في المجرور الذي هو لهم وفيها متعلق بالعامل في لهم الذي هو خبر. والأزواج من جموع القلة، لأن زوجا جمع على زوجة نحو: عود وعودة، وهو من جموع الكثرة، لكنه ليس في الكثير من الكلام مستعملا، فلذلك استغنى عنه بجمع القلة توسعا وتجوزا. وقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على كثرة الأزواج من الحور وغيرهم. وأريد هنا بالأزواج: القرناء من النساء اللاتي تختص بالرجل لا يشركه فيها غيره. ومطهرة: صفة للأزواج مبنية على طهرت كالواحدة المؤنثة. وقرأ زيد بن علي: مطهرات، فجمع بالألف والتاء على طهرن. قال الزمخشري: هما لغتان فصيحتان، يقال: النساء فعلن، وهن فاعلات، والنساء فعلت، وهي فاعلة، ومنه بيت الحماسة:
* وإذا العذارى بالدخان تقنت * واستعجلت نصب القدور فملت * والمعنى: وجماعة أزواج مطهرة، انتهى كلامه.
وفيه تعقب أن اللغة الواحدة أولى من الأخرى، وذلك أن جمع ما لا يعقل، إما أن يكون جمع قلة، أو جمع كثرة إن كان جمع كثرة فمجيء الضمير على حد ضمير الواحدة أولى من مجيئه على حد ضمير الغائبات، وإن كان جمع قلة فالعكس، نحو: الأجذاع انكسرن، ويجوز انكسرت، وكذلك إذا كان ضميرا عائدا على جمع العاقلات الأولى فيه النون من التاء، فإذا بلغن أحلهن، والوالدات يرضعن، ولم يفرقوا في ذلك بين جمع القلة والكثرة كما فرقوا في جمع ما لا يعقل. فعلى هذا الذي تقرر تكون قراءة زيد الأولى إذ جاءت في الظاهر على ما هو أولى. ومجئ هذه الصفة مبنية للمفعول، ولم تأت ظاهرة أو ظاهرات، أفخم لأنه أفهم أن لها مطهرا وليس إلا الله تعالى. وقراءة عبيد بن عمير مطهرة، وأصله متطهرة، فأدغم. وفي كلام بعض العرب ما أحوجني إلى بيت الله فأطهر به أطهرة، أي: فأتطهر به تطهرة، وهذه القراءة مناسبة لقراءة الجمهور، لأن الفعل مما يحتمل أن يكون مطاوعا نحو: طهرته فتطهر، أي أن الله تعالى طهرهن فتطهرن. وهذه الأزواج التي وصفها الله بالتطهير إن كن من الحور العين، كما روي عن عبد الله. فمعنى التطهير: خلقهن على الطهارة لم يعلق بهن دنس ذاتي ولا خارجي وإن كن من بني آدم، كما روي عن الحسن: عن عجائزكم الرمص الغمص يصرن شواب، فقيل: مطهرة من العيوب الذاتية وغير الذاتية، وقيل: مطهرة من الأخلاق السيئة والطبائع الرديئة، كالغضب والحدة والحقد والكيد المكر، وما يجري مجرى ذلك، وقيل: مطهرة من الفواحش والخنا والتطلع إلى غير أزواجهن، وقيل: مطهرة من الأدناس الذاتية، مثل الحيض والنفاس والجنابة والبول والتغوط وغير ذلك من المقادير الحادثة عن الأعراض المنقبلة إلى فساد: كالبخر والذفر والصنان والقيح والصديد، أو إلى غير فساد: كالدمع والعرق والبصاق والنخامة. وقيل: مطهرة من مساوىء