تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٥٣
البقاء. وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن يكون قوله: وبشر معطوفا على قوله: فاتقوا النار، ليكون عطف أمر على أمر. قال الزمخشري: كما تقول يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنتيم، وبشر يا فلان بني أسد بإحسان إليهم، وهذا الذي ذهبا إليه خطأ لأن قوله: فاتقوا جواب للشرط وموضعه جزم، والمعطوف على الجواب جواب، ولا يمكن في قوله: وبشر أن يكون جوابا لأنه أمر بالبشارة ومطلقا، لا على تقدير إن لم تفعلوا، بل أمر أن يبشر الذين آمنوا أمرا ليس مترتبا على شيء قبله، وليس قوله: وبشر على إعرابه مثل ما مثل به من قوله: يا بني تميم إلخ، لأن قوله: احذروا لا موضع له من الإعراب، بخلاف قوله: فاتقوا. فلذلك أمكن فيما مثل به العطف ولم يمكن في وبشر. وقرأ زيد بن علي: وبشر فعلا ماضيا مبنيا للمفعول. قال الزمخشري: عطفا على أعدت انتهى. وهذا الإعراب لا يتأتى على قول من جعل أعدت جملة في موضع الحال، لأن المعطوف على الحال حال، ولا يتأتى أن يكون وبشر في موضع الحال، فالأصح أن تكون جملة معطوفة على ما قبلها، وإن لم تتفق معاني الجمل، كما ذهب إليه سيبويه وهو الصحيح، وقد استدل لذلك بقول الشاعر:
* تناغي غزالا عند باب ابن عامر * وكحل أماقيك الحسان بإثمد * وبقول امرئ القيس:
* وإن شفائي عبرة إن سفحتها * وهل عند رسم دارس من معول * وأجاز سيبويه: جاءني زيد، ومن أخوك العاقلان، على أن يكون العاقلان خبر ابتداء مضر. وقد تقدم لنا أن الزمخشري يخص البشارة بالخبر الذي يظهر سرور المخبر به. وقال ابن عطية: الأغلب استعماله في الخير، وقد يستعمل في الشر مقيدا به منصوصا على الشر للمبشر به، كما قال تعالى: * (فبشرهم بعذاب أليم) *. ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير، انتهى كلامه. وتقدم لنا ما يخالف قوليهما من قول سيبويه وغيره، وأن البشارة أول خبر يرد على الإنسان من خير كان أو شر، قالوا: وسمي بذلك لتأثيره في البشرة، فإن كان خيرا أثر المسرة والانبساط، وإن كان شرا أثر القبض والانكماش. قال تعالى: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) *، وقال تعالى: * (فبشرهم بعذاب أليم) *، وجعل الزمخشري هذا العكس في الكلام الذي يقصد به استهزاء الزائد في غيظه المستهزأ به وتألمه. وقيل: معناه ضع هذا موضع البشارة منهم، قالوا: والصحيح أن كل خبر غير البشرة خيرا كان أو شرا بشارة، قال الشاعر:
* يبشرني الغراب ببين أهل * فقلت له ثكلتك من بشير * وقال آخر:
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»