تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٥٢
وزوجة لغة تميم وكثير من قيس وأهل نجد، وكل شيء قرن بصاحبه فهو زوج له، والزوج: الصنف ومنه: زوج بهيج، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا. الطهارة: النظافة، والفعل طهر بفتح الهاء وهو الأفصح، وطهر بالضم، واسم الفاعل منهما طاهر. فعلى الفتح قياس وعلى الضم شاذ نحو: حمض فهو حامض، وخثر فهو خاثر. الخلود: المكث في الحياة أو الملك أو المكان مدة طويلة لا انتهاء لها وهل يطلق على المدة الطويلة التي لها انتهاء بطريق الحقيقة أو بطريق المجاز قولان، وقال زهير:
* فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت * ولكن حمد الناس ليس بمخلد * ويقال: خلد بالمكان أقام به، وأخلد إلى كذا، سكن إليه، والمخلد: الذي لم يشب، ولهذا المعنى، أعني من السكون والاطمئنان، سمي هذا الحيوان اللطيف الذي يكون في الأرض خلدا. وظاهره هذه الاستعمالات وغيرها يدل على أن الخلد هو المكث الطويل، ولا يدل على المكث الذي لا نهاية له إلا بقرينة. واختار الزمخشري فيه: أنه البقاء اللازم الذي لا ينقطع، تقوية لمذهبه الاعتزالي في أن من دخل النار لم يخرج منها بل يبقى فيها أبدا.
والأحاديث الصحيحة المستفيضة دلت على خروج ناس من المؤمنين الذين دخلوا النار بالشفاعة من النار، ومناسبة قوله تعالى: وبشر لما قبله ظاهره، وذلك أنه لما ذكر ما تضمن ذكر الكفار وما تؤول إليه حالهم في الآخرة، وكان ذلك من أبلغ التخويف والإنذار، أعقب ما تضمن ذكر مقابليهم وأحوالهم وما أعد الله لهم في الآخرة من النعيم السرمدي. وهكذا جرت العادة في القرآن غالبا متى جرى ذكر الكفار وما لهم أعقب بالمؤمنين وما لهم وبالعكس، لتكون الموعظة جامعة بين الوعيد والوعد واللطف والعنف، لأن من الناس من لا يجذبه التخويف ويجذبه اللطف، ومنهم من هو بالعكس. والمأمور بالتبشير قيل: النبي صلى الله عليه وسلم)، وقيل: كل من يصلح للبشارة من غير تعيين. قال الزمخشري: وهذا أحسن وأجزل لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به، انتهى كلامه. والوجه الأول عندي أولى، لأن أمره صلى الله عليه وسلم) لخصوصيته بالبشارة أفخم وأجزل، وكأنه ما اتكل على أن يبشر المؤمنين كل سامع، بل نص على أعظمهم وأصدقهم ليكون ذلك أوثق عندهم وأقطع في الإخبار بهذه البشارة العظيمة، إذ تبشيره صلى الله عليه وسلم) تبشير من الله تعالى. والجملة من قوله: وبشر معطوفة على ما قبلها، وليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب مشاكل من أمر أو نهي بعطف عليه، إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين، كما تقول: زيد يعاقب بالقيد والإزهاق، وبشر عمرا بالعفو والإطلاق، قال هذا الزمخشري وتبعه أبو البقاء فقال: الواو في وبشر عطف بها جملة ثواب المؤمنين على جملة عقاب الكافرين، انتهى كلامه.
وتلخص من هذا أن عطف الجمل بعضها على بعض ليس من شرطه أن تتفق معاني الجمل، فعلى هذا يجوز عطف الجملة الخبرية على الجملة غير الخبرية، وهذه المسألة فيها اختلاف. ذهب جماعة من النحويين إلى اشتراط اتفاق المعاني، والصحيح أن ذلك ليس بشرط، وهو مذهب سيبويه. فعلى مذهب سيبويه يتمشى إعراب الزمخشري وأبي
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»