القرآن، روي عن مجاهد وكونه جمع شهيدا حسن من جمع شاهد لجريانه على قياس جمع فعيل نحو: هذا ولما في فعيل من المبالغة وكأنه أشار إلى أن يأتوا بشهداء بالغين في الشهادة يصلحون أن تقام بهم الحجة. * (من دون الله) *: تتعلق بادعوا، أي وادعوا من دون الله شهداءكم، أي لا تستشهدوا بالله فتقولوا: الله يشهد أن ما ندعيه حق، كما يقول العاجز عن إقامة البيت قبل ادعوا من الناس الشهداء الذين شهادتهم تصحح بها الدعاوى، فكأنه قال: وادعوا من غير الله من يشهد لكم، ويحتمل أن يتعلق من دون الله بشهداءكم. والمعنى: ادعوا من اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق، أو أعوانكم من دون الله، أي من دون أولياء الله الذين يستعينون بهم دون الله، أو يكون معنى من دون الله: بين يدي الله، كما قال الأعشى:
تريك القذى من دونها وهي دونه أي تريك القذى قدامها، وهي قدام القذى لرقتها وصفائها. وأمره تعالى إياهم بالمعارضة وبدعاء الأنصار والأعوان، مع علمه أنهم لا يقدرون على ذلك، أمر تهكم وتعجيز. وقد بين تعالى بعد ذلك أن ذلك لا يقع منهم سيما تفسير الشهداء بآلهتهم لأنها جماد لا تنطق، فالأمر بأن يستعينوا بما لا ينطق في معارضة المعجز غاية التهكم بهم، فظاهر قوله: * (إن كنتم صادقين) * معناه: في كونكم في ريب من المنزل على عبدنا أنه من عندنا، وقيل: فيما تقتدرون عليه من المعارضة. وقد حكى عنهم في آية أخرى: * (لو نشاء لقلنا مثل هاذا) *، لكن لم يجر ذكر المعارضة في هذه الآية، إلا أن كونهم في ريب يقتضي عندهم أنه ليس من عند الله، وما لم يكن من عند الله فهو عندهم تمكن معارضته، فيحتمل أن يكون المعنى: إن كنتم صادقين في القدرة على المعارضة.
ولما كان أمره تعالى إياهم بالإتيان بسورة من مثله أمر تهكم وتعجيز لأنهم غير قادرين على ذلك، انتقل إلى إرشادهم، إذ ليسوا بقادرين على المعارضة، وأمرهم باتقاء النار التي أعدت لمن كذب، وأتى بأن، وإن كان من مواضع إذا تهكما بهم، كما يقول القائل: أن غلبتك لم أبق عليك، وهو يعلم أنه غالب، أو أتى بان على حسب ظنهم، وإن المعجز منهم كان قبل التأمل، كالمشكوك فيه عندهم لاتكالهم على فصاحتهم. ومعنى: * (فإن لم تفعلوا) * فإن لم تأتوا، وعبر عن الإتيان بالفعل، والفعل يجري مجرى الكناية، فيعبر به عن كل فعل، ويغنيك عن طول ما تكنى عنه. قال الزمخشري: لو لم يعدل عن لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال: فإن لم تأتوا بسورة من مثله، ولن تأتوا بسورة من مثله، ولا يلزم ما قال الزمخشري، لأنه لو قيل: فإن لم تأتوا ولن تأتوا، كان المعنى على ما ذكر ويكون قد حذف ذلك اختصارا، كما حذف اختصارا مفعول لم تفعلوا ولن تفعلوا. ألا ترى أن التقدير: فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله ولن تفعلوا لإتيان بسورة من مثله فهما سيان في الحذف؟ وفي كتاب ابن عطية تعليل غريب لعمل لم الجزم، قال: وجزمت لم لأنها أشبهت لا في التبرئة في أنهما ينفيان، فكما تحذف لا تنوين الاسم، كذلك تحذف لم الحركة أو العلامة من الفعل.
وفي قوله: * (ولن تفعلوا) * إثارة لهممهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبلغ وأبدع، وفي ذلك دليلان على إثبات النبوة. أحدهما: صحة كون المتحدي به معجزا، الثاني: الإخبار بالغيب من أنهم لن يفعلوا، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى،