تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٤٧
تكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف. وهي أيضا لابتداء الغاية، أي بسورة كائنة من رجل مثل الرسول، أي ابتداء كينونتها من مثله.
وفي المثلية على كون الضمير عائدا على المنزل على أقوال: الأول: من مثله من أمي لا يحسن الكتابة على الفطرة الأصلية. الثاني: من مثله لم يدارس العلماء، ولم يجالس الحكماء، ولم يؤثر عنه قبل ذلك تعاطي الأخبار، ولم يرحل من بلده إلى غيره من الأمصار. الثالث: من مثله على زعمكم أنه ساحر شاعر مجنون. الرابع: من مثله من أبناء جنسه وأهل مدرته، وذكر المثل في قوله: من مثله هو على سبيل الفرض على أكثر الأقوال التي فسرت بها المماثلة، إذا كان الضمير عائدا على المنزل، وعلى بعضها لا يكون على سبيل الفرض، وهو على قول من فسر أنه أراد بالمثل: كلام العرب الذي هو من جنسه، وأما إذا كان عائدا على المنزل عليه فليس على سبيل الفرض، لوجود أمي لا يحسن الكتابة، ولوجود من لم يدارس العلماء، ولوجود من هو ساحر على زعمهم ذلك في المنزل عليه.
واختار الزمخشري أن لا مثل ولا نظير. قال بعد أن فسر المثل على تقدير عود الضمير على المنزل: فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، وعلى تقدير عوده على المنزل عليه، أو فأتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء، قال الزمخشري، ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك، ولكنه نحو قول القبعثري للحجاج، وقال له: لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب. أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقوة وبسطة اليد، ولم يقصد أحدا يجعله مثلا للحجاج. انتهى كلام الزمخشري. وعلى ما فسرت به المماثلة إذ جعل الضمير عائدا على المنزل عليه، وقد تقدم بيان وجود المثل، وعلى أنه عائد على المنزل يمكن وجوده في بعض تفاسير المماثلة. فقول الزمخشري: لا مثل ولا نظير مع تفسيره المماثلة في كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ليس بصحيح، لأن المماثل في هذا الشيء الخاص موجود.
ولما طلب منهم المعارضة بسورة على تقدير حصولهم في ريب من كونه من عند الله، لم يكتف بقولهم ذلك بأنفسهم، حتى طلب منهم أن يدعو شهداءهم على الاجتماع على ذلك والتظافر والتعاون والتناصر، فقال: * (وادعوا شهداءكم) *، وفسر هنا ادعوا: باستغيثوا. قال أبو الهيثم: الدعاء طلب الغوث، دعا: استغاث وباستحضر دعا فلان فلانا إلى الحاكم، استحضره، وشهداؤهم: آلهتهم، فإنهم كانوا يعتقدون أنهم يشهدون لهم عند الله، قاله ابن عباس، والسدي، ومقاتل، والفراء، أو من يشهدهم ويحضرهم من الأعوان والأنصار، قاله ابن قتيبة. وروي عن ابن عباس، أو من يشهد لكم، أن ما تأتون به مثل
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»