تجعلوا لله أندادا) *. فلو جرى الكلام على هذا السياق لكان مما نزل على عبده، لكن في هذا الالتفات من التفخيم للمنزل والمنزل عليه ما لا يؤديه ضمير غائب، لا سيما كونه أتى بنا المشعرة بالتعظيم التام وتفخيم الأمر ونظيره، * (وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا) *، وتعدي نزل بعلى إشارة إلى استعلاء المنزل على المنزل عليه وتمكنه منه، وأنه قد صار كالملابس له، بخلاف إلى فإنها تدل على الانتهاء والوصول.
ولهذا المعنى الذي أفادته على تكرار ذلك في القرآن في آيات، قال تعالى: * (نزل عليك الكتاب بالحق) *، طه * (ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى) *، * (هو الذى أنزل عليك الكتاب) *. وفي إضافة العبد إليه تعالى تنبيه على عظيم قدره، واختصاصه بخالص العبودية، ورفع محله وإضافته إلى نفسه تعالى، واسم العبد عام وخاص، وهذا من الخاص:
* لا تدعني إلا بيا عبدها * لأنه أشرف أسمائي * ومن قرأ: على عبادنا بالجمع، فقيل: يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأمته، قاله الزمخشري، وصار نظير قوله تعالى: * (ءان * إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) *، لأن جدوى المنزل والهداية الحاصلة به من امتثال التكاليف، والموعود على ذلك لا يختص بل يشترك فيه المتبوعون والتباع، فجعل كأنه نزل عليهم. وذلك نوع من المجاز يجعل فيه من لم يباشر الشيء إذا كان مكلفا به منزلة من باشر، ويحتمل أن يريد به النبيين الذين أنزل عليهم الوحي، والكتب والرسول أول مقصود بذلك، وأسبق داخل في العموم، لأنه هو الذي طلب معاندوه بالتحدي في كتابه، ويكون ذلك خطابا لمنكري النبوات، كما قال تعالى، حكاية عن بعضهم: * (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء) *. ويحتمل أن يراد بالمفرد الجمع. وتبينه هذه القراءة كقوله تعالى: * (واذكر عبدنا * إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الايدى والابصار) *، في قراءة من أفرد، فيكون إذ ذاك للجنس.
فأتوا بسورة: طلب منهم الإتيان بمطلق سورة، وهي القطعة من القرآن التي أقلها ثلاث آيات، فلم يقترح عليهم الإتيان بسورة طويلة فتعنتوا في ذلك، بل سهل عليهم وأراح عليهم بطلب الإتيان بسورة ما، وهذا هو غاية التبكيت والتخجيل لهم. فإذا كنتم لا تقدرون أنتم ولا معاضدوكم بالإتيان بسورة من مثله، فكيف تزعمون أنه من جنس كلامكم؟ وكيف يلحقكم في ذلك ارتياب أنه من عند الله؟
وقد تعرض الزمخشري هنا لذكر فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سورا، وليس ذلك من علم التفسير، وإنما هو من فوائد التفصيل والتسوير. من مثله: الهاء عائدة على ما، أو على عبدنا، والراجح الأول وهو قول أكثر المفسرين ورجحانه من وجوه: أحدها: أن الارتياب أولا إنما جيء به منصبا على المنزل لا على المنزل عليه، وإن كان الريب في المنزل ريبا في المنزل عليه بالالتزام، فكان عود الضمير عليه أولى. الثاني: أنه قد جاء في نظير هذه الآية وهذا السياق قوله: * (فأتوا بسورة من مثله * فأتوا