التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٨٢
للمخاطب ودلالة على أنها من الأخبار العجيبة التي ينبغي أن يلقي البال لها والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة كقولك عدل وزور واتفق الناس على أن هؤلاء الخصم كانوا ملائكة وروي أنهما جبريل وميكائيل بعثهما الله ليضرب بهما المثل لداود في نازلة وقع هو في مثلها فأفتى بفتيا هي واقعة عليه في نازلته ولما شعر وفهم المراد أناب واستغفر وسنذكر القصة بعد هذا ومعنى تسوروا المحراب علوا على سوره ودخلوه والمحراب الموضع الأرفع من القصر أو المسجد وهو موضع التعبد ويحتمل أن يكون المتسور المحراب اثنين فقط لأن نفس الخصومة إنما كانت بين اثنين فقط فتجيء الضمائر في تسوروا ودخلوا وفزع منهم على وجه التجوز والعبارة عن الاثنين بلفظ الجماعة وذلك جائز على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان ويحتمل أنه جامع كل واحد من الخصمين جماعة فيقع على جميعهم خصم وتجيء الضمائر المجموعة حقيقة وعلى هذا عول الزمخشري * (إذ دخلوا على داود ففزع منهم) * العامل في إذ هنا تسوروا وقيل هي بدل من الأولى وأما إذ الأولى فالعامل فيها أتاك أو تسوروا ورد الزمخشري ذلك وقال إن العامل فيها محذوف تقديره هل أتاك نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا وإنما فزع داود منهم لأنهم دخلوا عليه بغير إذن ودخلوا من غير الباب وقيل إن ذلك كان ليلا * (خصمان بغى بعضنا على بعض) * تقديره نحن خصمان ومعنى بغى تعدى * (ولا تشطط) * أي لا تجر علينا في الحكم يقال أشط الحاكم إذا جار وقرئ في الشاذ لا تشطط بفتح التاء أي لا تبعد عن الحق يقال شط إذا بعد * (سواء الصراط) * أي وسط الطريق ويعني القصد والحق الواضح * (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب) * هذه حكاية كلام أحد الخصمين والأخوة هنا أخوة الدين والنعجة في اللغة تقع على أنثى بقر الوحش وعلى أنثى الضأن وهي هنا عبارة عن المرأة ومعنى أكفلنيها أملكها لي وأصله اجعلها في كفالتي وقيل اجعلها كفلي أي نصيبي ومعنى عزني في الخطاب أي غلبني في الكلام والمحاورة يقال عز فلان فلانا إذا غلبه وهذا الكلام تمثيل للقصة التي وقع داود فيها وقد اختلف الناس فيها وأكثروا القول فيها قديما وحديثا حتى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه من حدث بما يقول هؤلاء القصاص في أمر داود عليه السلام جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع الله محله ونحن نذكر من ذلك ما هو أشهر وأقرب إلى تنزيه داود عليه السلام روي أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأة فيتزوجها إذا أعجبته وكانت لهم عادة في ذلك لا ينكرونها وقد جاء عن الأنصار في أول الإسلام شيء من ذلك فاتفق أن وقعت عين داود على امرأة رجل فأعجبته فسأله النزول عنها ففعل وتزوجها داود عليه السلام فولد له منها سليمان عليه السلام وكان لداود تسع وتسعون امرأة فبعث الله إليه ملائكة مثالا لقصته فقال أحدهما إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة إشارة إلى التسع والتسعين امرأة التي كانت لداود ولي نعجة واحدة إشارة إلى أن ذلك الرجل لم تكن له إلا تلك المرأة الواحدة فقال أكفلنيها إشارة إلى سؤال داود من الرجل النزول عن امرأته فأجابه داود عليه السلام بقوله لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فقامت الحجة عليه بذلك فتبسم الملكان عند ذلك
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»