فيه ثلاث وعشرون مسألة: الأولى - قوله تعالى: (أنشأ) أي خلق. جنات معروشات أي بساتين ممسوكات (1) مرفوعات. وغير معروشات غير مرفوعات. قال ابن عباس: " معروشات " ما انبسط على الأرض مما يفرش مثل الكروم والزروع والبطيخ. " وغير معروشات " ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار. وقيل: المعروشات ما ارتفعت أشجارها. وأصل التعريش الرفع.
وعن ابن عباس أيضا: المعروشات ما أثبته ورفعه الناس. وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار. يدل عليه قراءة علي رضي الله عنه " مغروسات وغير مغروسات " بالغين المعجمة والسين المهملة.
الثانية - قوله تعالى: (والنخل والزرع) أفردهما بالذكر وهما داخلان في الجنات لما فيهما من الفضيلة، على ما تقدم بيانه في " البقرة " عند قول: " من كان عدوا (2) لله وملائكته " الآية.
" مختلفا أكله " يعني طعمه منه الجيد والدون. وسماه أكلا لأنه يؤكل. و " أكله " مرفوع بالابتداء. و " مختلفا " نعته، ولكنه لما تقدم عليه وولي منصوبا نصب. كما تقول: عندي طباخا غلام. قال:
الشر منتشر يلقاك عن عرض * والصالحات عليها مغلقا باب وقيل: " مختلفا " نصب على الحال. قال أبو إسحاق الزجاج: وهذه مسألة مشكلة من النحو، لأنه يقال: قد أنشأها ولم يختلف أكلها وهو ثمرها، فالجواب أن الله سبحانه أنشأها بقوله:
" خالق كل شئ " فأعلم أنه أنشأها مختلفا أكلها، أي (3) أنه أنشأها مقدرا فيه الاختلاف، وقد بين هذا سيبويه بقوله: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، على الحال، كما تقول، لتدخلن الدار آكلين شاربين، أي مقدرين ذلك. جواب ثالث: أي لما أنشأه كان مختلفا أكله، على معنى أنه لو كان له لكان مختلفا أكله. ولم يقل أكلهما، لأنه اكتفى بإعادة الذكر على أحدهما، كقول: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها (4) " أي إليهما. وقد تقدم هذا المعنى.